vendredi 4 janvier 2013

هضبة الأكاكوس

    اعتبرت افريقيا خطأ لزمن طويل خالية من أى تراث حضارى يستحق الذكر ، وان خرجت مصر عن هذا التعميم ، وقد بدأ ارتياد أكبر صحراء فى العالم - الصحراء الكبرى – حوالى منتصف القرن الماضى بفضل الرواد الذين غامروا با لتعرف على مناطق قاحلة  وزودنا بأول بأول معارف عن آثار حضارات بائدة : الرسوم والنقوش الصخرية . وازدادت بعد ذلك البحوث لاسيما بعد العشر سنوات الأولى من هذا القرن على يد الكثير من البعثات الأوربية الى هذه المناطق المقفرة ، وهكذا بدأت طبيعة هذه المناطق تتضح فى ضوء البحوث الجديدة وكشفت الاودية الجافة الآن ، والتى كانت تروى هذه المساحات الشاسعة ، عن آثار المياه التى كانت لابد وفيرة فى الأزمنة السحيقة مع طبيعة نباتها ،وحيواناتها من الخرتيت وفرس النهر والأسود والزراف والنعام والقردة والوعول والماشية وهى جميعا ً حيوانات أبادها الجفاف أو اضطرها الى الانتقال جنوبا ً .

   وقد أدت التغيرات المناخية التى حدثت فى فترة تتراوح بين أربعة آلاف وعشرة آلاف سنة الى جفاف هذه المناطق وبالتالى اقفارها ، وعزلت الجماعات النادرة التى بقيت عن بقية أجزاء القارة . ثم ختم صمت الزمان عليهم وساعدتها الرمال فى دفن كل أثر لهؤلاء القدماء الا أثر واحد ذلك هو الرسوم الرائعة المحفورة أو المرسومة على جدران الصخور والتى لم تستطع الشمس أو الأمطار أن تمحوها . وعن طريق هذه النقوش والرسوم وحدها نستطيع أن نعرف شيئا ً عن حياتهم وعاداتهم وطبيعتهم وكان هذا يعنى دراسة تحليلية وئيدة مبنية على الشواهد الواقعية . 


   والرسوم المنقوشة ليست مثل نقوش العصر الحجرى القديم فى فرنسا أو اسبانيا مخفية فى كهوف عميقة مظلمة ، وانما هى مكشوفة فى العراء على مساحات كبيرة من صخور عمودية ملساء على ضفاف الأودية الكبيرة فى مواقع اختارها القدماء للاحتفال بطقوس سحرية أو دينية.

   اما الرسوم المصورة فتختلف بعض الشىء فهى ألوان حقيقية مناسبة استخدم فيها طلاء جيد وبألوان عديدة ، وهى أيضا ً فى العراء ولكنها محمية من الشمس والمطر وان اختلفت فى درجة بقائها بحالة جيدة . وقد كان لأقدم هؤلاء الفنانين أسرار فنية لم تتأت لمن جاء بعدهم وهكذا قاومت أقدم الرسوم فعل الزمن بينما نجد اكثرها حداثة سهلة الإزالة ، ويعقب الرسوم الأقدم اضمحلال تدريجى .

   وقد غير التقدم التدريجى فى هذا الميدان النظرة الى قيمة الرسوم الصخرية فى الصحراء ولم تعد ينظر اليها على أنها نتاج حضارة بدائية وقد كشفت البعثات الثمانية الى الأكاكوس عند أقصى حدود ليبيا من ناحية الجنوب العربى عن شواهد فنية وأتربة ، وهى شواهد يبدو أنه لازال منها الكثير لم يكشف عنه بعد.


ولكن متى حدث هذا كله ؟ إن تأريخ هذه الصور والنقوش مشكلة ، وهى مشكلة هامة اذ ترتبط بها الاجابة عن اسئلة أخرى لم نجد لها الجواب ، بعد : اسئلة انثروبولوجية وأخرى مناخية ، وكذلك اسئلة تتعلق بالعلاقات المحتملة بين الصحراء وماحولها من حضارات من بينها حضارات ماقبل التاريخ فى مصر وبداية الأسرات فيها .وهناك محاولات جاهدة فى بناء تأريخ نسبى لترتيب المجموعات المختلفة من الفن الصخرى زمنيا ً بالنسبة الى بعضها البعض ، وقد أمكن عن طريق دراسة الأسلوب والتنفيذ الى غير ذلك تقسيم هذه الرسوم الى فترات وأطوار فى مجموعات رئيسية كما يلى :

 1.   نقوش تمثل حيوانات كبيرة مفترسة أو الجاموس والأبقار البرية (Bubalus  antiquus).
2.   فترة رسوم "الروؤس المستديرة ".
3.   فترة "الرعى " وغيرها فى الرسوم ظهور قطعان عديدة من الماشية المستأنسة .
4.   فترة "الحصان" أو " العربة ".
5.   فترة "الجمل".
  ولكن التقسيم لا يتفق للاسف وتواريخ محددة وان كانت هناك نظريات بنيت على الاستنتاج ولكنها لا تتفق والنتائج التى وصل اليها المعمل والتى تعتمد على الحقائق ،ولازال أمامنا الكثير لنصل الى سلسلة حقيقية متصلة من التأريخ ، والعمل جار الآن فى الأكاكوس يكشف عن رواسب بشرية ورسوم بكميات وفيرة أظهرت بقايا ماشية مستأنسة من 4000- 5000 ق. م. وكذلك فخار يعود فى بعض المواقع الى حوالى 6000 ق.م . وتزداد معلوماتنا باستمرار العمل مع محاولة الربط بين ما يكشف عنه فى رواسب الاقامة فى المواقع المختلفة وبين الرسوم الصخرية ، والتورايخ التى زودتنا بها طريقة الراديو – كربون مع نتائج الحفر الأثرى تساعد كثيرا ً فى الوصول الى حقائق تاريخية  والتواريخ الرئيسية حصل عليها من نماذج جمعت فى المراسم الأخيرة من العمل فى مواقع : وان تلوكات Uan  Telocat  وفوزيجيارين Fozzigiaren   وان موهوجياج Uan  Muhuggiag   وغيرها .



     ويمكننا تحديد زمن بعينه من اعطاء تاريخ تال لهذه المجموعة الرائعة من الرسوم التى خلفها آخر رعاة عاشوا فى هذه المنطقة التى أصبحت صحراء ،فقد تبع هؤلاء الرعاة أقوام الخيل والعربات فى تتابع زمنى يظهر فى التراكب الواضح للرسوم فوق بعضها البعض.
    ومن المؤكد أن فن الصحراء أخذ وقتا ً طويلا ً لتطوره ويمكننا أن نعتبر الألف السادس ق.م. فاصلا ً بين الطور الثانى – طور "الرأس المستدير" وبين طور "الرعاة" ويبدأ الدور الحضارى دور لرعاة الماشية فى الاختفاء حوالى الألف الرابع ق.م .
    وكان قدوم الحصان نهاية ماقبل التاريخ فى الصحراء ويرتبط به شعوب البحر المتوسط وعلى صلة وثيقة بحضارات بداية التاريخ المعروفة. وتضمحل خلال هذه الفترة التقاليد الفنية التى شهدناها خلال الآلاف السابقة من السنين، وتنتهى تماما ً بظهور الجمل الذى يعتبر فى الواقع علامة الجفاف المتزايد وهى عملية كانت قد بدأت منذ آلاف من السنين من قبل.


  وفيما يختص بمدلول فن الصحراء وكذلك احتمال أدوار عنصرية للرسومات فوق بعضها البعض نرجح أن الطورالأول فى هذا الجزء من الصحراء الليبية يبدأ بنقوش تمثل ثدييات من الحيوانات البرية الضخمة كانت أول ما اختفى من الأقاليم الصحراوية . وهذه الرسومات نجدها دائمة منعزلة ونادرا ً مارسم معها أشكال بشرية ويبدو أن رسمها كان تعبيرا ً من السكان عن الخوف منها كما أن المواقع المحددة التى نجدها فيها تشير الى الغرض السحرى من وراء رسمها.   ثم يلى ذلك طور الرؤوس المستديرة round-heads وهنا يزيد عدد الصور المرسومة عن النقوش فى مناظر تمثل العبادة أو مناظر للحياة القبلية. والطور الذى يظهر فيه الشكل الانسانى برأس مستدير بلا تقاطيع تغلب عليها روح دينية سحرية قوية. ثم يلى هذا طور تتعدد فيه المناظر منها مناظر الرقص التى يبدو فيها الراقصون غالبا ً بأقنعة وذيول وبالقرب منهم حيوانات كبيرة تشير الى حاجتهم الى الصيد الذى اعتمدوا عليه فى حياتهم الى حد كبير.
  

  ان الطور الذى سبق ظهور صور القطعان الكبيرة من الماشية يوضح عموما ً الطقوس والمعتقدات الراسخة وهى دينية اكثر منها سحرية اذ نجد أنفسنا هنا ازاء عالم روحانى ملىء بأشكال بشرية ممسوخة سواء كانت تمثل شياطين أو آلهة أو أبطال أرادوا تخليد ذكراهم وكل هذا يرتبط بسكان متزنجين على الارجح.
   وفى فترة بعينها حدث استئناس الحيوان – وهو ظاهرة محلية او مستوردة – ليغير النظام الاجتماعى لسكان هذه الأقاليم تغييرا ً جوهريا ً كما عدل فى الوقت ذاته من أسلوب واتجاهات الرسوم ، ولم تعد تظهر الأشكال البشرية الممسوخة وظهرت اتجاهات جديدة مثل تربية الماشية وحلب الأبقار الى غير ذلك من نواحى الحياة القبلية المختلفة . كما صغر حجم الجسم الانسانى ومثل على الصخر بأمانة وتبدو ملامح السكان من نوع للبحر المتوسط . وغلب الغرض القصصى فى الرسوم على الغرض القصصى فى الرسم على الغرض السحرى . ولاشك أن التحول الى العصر الحجرى الحديث كان ثورة اقتصادية واجتماعية أثرت على المعتقدات والقيم الحضارية . وقد لعب الثور دورا ً هاما ً فى حياتهم ولذلك مثلوه بكثرة فى رسومهم على الصخر ، وظهرت رسوم القطعان الكبيرة لفرض سحرى يهدف الى بقائها وانمائها فى المستقبل .
    وقد كان فنان الرعاة هو الوسط الذى أمكن عن طريقه تمثيل القطعان بأمانة اذ كما يتضح من الرسوم لابد وأنه كان خبيرا ً بما يقوم به لاظهار تفاصيلها التشريحية حتى يمكن توضيح خصائص الأنواع المختلفة مما كان له أهمية كبيرة الآن من ناحية التعرف على السلالات .
  


   وفى الفترة التى تلت طور الرعى تغيرت الرسوم كثيرا ً وان استمر الطابع الطقسى فى طور أسلوب المثلث المزدوج مع مناظر تمثل الموت وغيره من أحداث القبيلة ولكن الرسومات لم يعد لها غموض وتأثير الفترات السابقة وأصبح يغلب عليها الطابع البشرى مثل رسوم العجلات بخيول تركض وصيد الودان أو الزراف ، وشيئا ً فشيئا ً استمر الفن الصخرى فى الاضمحلال عند مانقترب من فترة ظهور الجمل وعندما أصبح امتداد الصحراء أمرا ً واقعا ً.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire