"كناوة" طائفة غامضة في المغرب من حيث إرتباطها بالمعتقدات السحرية ولممارسة أتباعها طقوس روحية إحتفالية خلال مناسبات سنوية، حيث تمتزج في طقوس "كناوة" الإرث المحلي الصوفي مع ثقافة الزنوج، والتي لها علاقة وطيدة مع عالم الغيبيات والأرواح والجن، وتأخذ طابعا يمزج بين التراتيل الدينية التي تمتدح الله والرسول، وبين الطقوس والتراتيل الخفية.
ويعتبر ضريح "سيدي بلال" الموجود غرب مدينة "الصويرة" المرجع الأعلى، ومقام "الأب الروحي" لـ كناوة، وداخل ضريح ذلك الولي، توجد زاوية تحتضن في 20 من شهر شعبان الهجري موسما سنويا للطائفة الكناوية، واختيار شهر شعبان له علاقة بالاعتقاد في الجن، الذي يشكل أساس طقوس ومعتقدات كناوة، فحسب المعتقد تتحدد مصائر الناس للعام الذي يلي ليلة منتصف شهر شعبان من كل عام، إذ يلعب الجن دورا مهم بحسب المعتقد في تحديد مصائر البشر، ولذلك ينبغي التوسل من ملوكهم "ملوك الجن" لأجل تحقيق أمنيات العلاج، وزوال الفأل السيء، والنجاح في الأعمال، الخ، قبل أن يسجن الجن جميعهم طيلة النصف الثاني من شعبان، فكائنات الخفاء محكوم عليها "بحسب المعتقد " أن تقضي الفترة التي تسبق شهر الصيام محبوسة في معازلها الأسطورية، ولن تعانق حريتها من جديد إلا في ليلة القدر.
أما الدردبة "الليلة بشكل مختصر" فهي أهم طقوس كناوة على الإطلاق، وهو الحفل الذي يقام على شرف بعض ملوك وملكات الجن، حيث يحظى بعضا منهم بالتقديس من قبل أتباع طائفة كناوة، مثل "سيدي شمهاروش، وسيدي ميمون"، ويجري تنظيمها داخل الدور السكنية الخاصة لبعض أعضاء الطائفة في مواعيد سنوية محددة، غالبا ما تكون خلال النصف الثاني من شهر شعبان، أوفي أوقات أخرى من الأشهر القمرية.
وتمر الليلة بـ 3 مراحل: المرحلة الأولى وهى مرحلة الطواف بالأضحية "القربان" حيث تنطلق ليلة الدردبة بعد منتصف الليل بتنسيق بين معلم كناوي يكون مصحوباً بفرقته و"شوافة كناوية" ومساعدتها، وغالبا ما تكون الأضحية عبارة عن تيس أسود، وتسمى هذه المرحلة "العدة"، وتكون هذه المرحلة مفتوحة أي يسمح خلالها بالحضور لغير المنتسبين إلى الطريقة الكناوية، وتبدأ هذه المرحلة كإعلان عام عن الشروع في إقامة الليلة، حيث يطوف الأتباع خلالها "كناوة" في فترة بعد الزوال، مرتدين طاقيات مختلفة الألوان، مغتنمين الفرصة للرقص على إيقاعات دقات، حتى تحل فترة "الكويو" وهي تعني في العرف الكناوي البدء في الحفل الرسمي لليلة الكناوية، حيث يستغنى فيها عن آلة الطبل لتعوض بـ "الهجهوج"، ليشرع المعلم الذي عليه أن يكون ملما بجميع مراحل الليلة، بالعزف عليه، ثم يقوم أثناه الأتباع برقصات انفرادية، باستثناء وجبتين يقوم فيها 4 كناويين برقص جماعي.
ملك ملوك الجن في المغرب – شمهروش:
يلى ذلك مرحلة التصعيد الإيقاعي: وفيها يغادر الغرباء الفضوليون الحفل الطقسي ليتركوه لأهله، فالمرحلة التالية سوف تشهد دخول كناوة في علاقة حميمة مع ملوكهم، وقد يكون حضورهم خطرا عليهم بحسب ما يقولون، وتكون هذه المرحلة تمهيدا للهياج الجماعي لحضور الملوك ويسمى الطقس في هذه المرحلة ب"النقشة"، وتوظف فيه آلة بعض الالات ويكون فيه الرقص جماعياً، وبعد "الكويو" وبعد استراحة لبضع دقائق، تدخل الليلة الكناوية مرحلة " فتوح الرحبة" حيث يعمل فيها كناوة على توضيب المكان الذي ستجري فيه المرحلة الأخيرة من الليلة لإضفاء طابع القدسية عليها، حيث يتم وضع طبق أمام المعلم تحتوي على مختلف أنواع البخور والأقمشة ذات الألوان المختلفة، كل لون منها يرمز إلى ملك من الملوك، وتصحب عملية التحضير أذكار وإنشادات ذات دلالة ومعاني متعددة، ليتم الدخول مباشرة إلى القسم الأخير والأساسي من الاحتفال الكناوي والمسمى بـ الملوك، وهم في معجم كناوة "رجال الله" أي رجال ربانيون مؤمنون.
يلى ذلك مرحلة حضور الملوك: وهي المرحلة الحاسمة في الليلة، ويكون خلالها الهياج الجماعي قد بلغ أوجه، وتكون خلالها الملوك قد نزلت بين المحتفلين بها، يحدث ذلك عندما يصل إيقاع الحفل أوجه، وتعزف فرقة كناوة موسيقى الملوك، يبدأ الرقص الطقوسي طريق الصعود نحو مرحلة الهياج التي ستتوج، والحفل بـ نزول الملوكبين الراقصين، تكون البخور السبعة أطلقت سحائب شفافة من دخان له رائحة نفاذة وزكية، ويشرع بعض أتباع المعلم في الطواف بين الراقصين، برايات تحمل الألوان السبعة لـالملوك، من اجل دعوتها النزول بين المحتفلين بها، وأثناء ذلك، يأتي الدور على العرافة، التي يفترض أنها اقرب الحضور القوى الخفية المدعوة النزول.
ويخضع المريد والتابع لشروط ولوج المحفل الكناري، منها انه قبل الدخول إلى الفضاء الكناوي، يشترط في المريد إزالة الحذاء ووضعه في مكان بعيد، أيضا أن يجهر المريد بالتسليم لرجال الله، كما يلزم على المريد تحية جميع الحاضرين، أما مقامات الجذبة متعددة، وتبلغ أقصاها في مقام "عيشة قنديشة"، والتي يجب تخليص الروح والجسد من شرها الأسود، حيث تحضر المرأة إلى جانب الرجل، ويحضر الجسد عبر رقصات تموجات، ويبدأ الطقس السحري باختلاج حاد يمتلك أطرافها، فيفهم الحاضرون أن إحدى الملكات بدأت في الحلول في جسد الساحرة، فتزيد مساعدتها من البخور في المجامر، كي لا ينقطع الدخان المحبب الرائحة لدى الملوك، ثم يقمن بتغطيتها بأثواب من مختلف الألوان إلى أن تهدأ الساحرة، فيعرفن من خلال اللون الأخير هوية الملكة التي حلت في جسد الساحرة.
المغرب بلد الجن والعفاريت:
وتبدأ العرافة الكناوية في النطق تنبؤاتها، فتنصح هذه بأن تلبس اللون الأحمر، لأن الملك الأحمر هو الذي يعاكس سعادتها، وتنصح تلك الأخرى بأن تقيم حفل الحضرة على شرف الملكة "عيشة"أو"جميلة" إن هي أرادت أن تزوج ابنتها العانس، أو أن تلد مولودا ذكراالخ، ثم تنتهي عملية التنبؤ، التي يعتقد في أن الملكة هي التي كانت توزعها بين الحاضرات على لسان العرافة، وينتهي الحفل بذبح التيس أسود اللون قربانا في ليلة الملوك، التيس الأسود وليس غيره من قرابين الدم الأخرى، هو الذي ترضى بقبوله الملوك عن طائفة كناوة، وقبل أن ُذبح يقوم المعاونون بتقديم الحليب للحيوان كي يشرب منه، و يرش بماء الورد قبل أن يقطع الجزار الكناوي حنجرته، فتشرب العرافة من الدم الحار المنساب من القربان، ومن ثم يغمس شيخ الطريقة الكناوية أصابع يده اليمنى ويطلي بالدم جبهتها، ويحمل التيس المذبوح إلى بيت شيخ الطريقة الكناوية كي يطبخ في الصباح مع كسكس بدون ملح، وسيقدم فقط لحلقة ضيقة من المحظوظين والمحظوظات، الذين سيناولون بركة الدردبة، وطبعاً يطبخ القربان من غير ملح، لأن الجن سيأكلون منه، إذ المعروف أن الجن لا تحب الملح في معتقد المغاربة وشعوب أخرى، وفي الساعات الأولى من الصباح تنسحب الملوك من مخابئها الأسطورية، وينسحب أتباع الطائفة طلبا للراحة بعد ليلة متعبة، وينتظر الأوفر حظا من بينهم، أن يقاسموا ملوك الخفاء أكلة الكسكس، وفي ظنهم أنهم نالوا ما يكفي من الحماية من أذى عامة الجن، بعد أن نالوا مباركة ملوكها السبعة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire