في غمرة إحتفال مسيحيي العالم بعيد ميلاد المسيح (عليه السلام) غالباً ما نلاحظ نجمة تقف أعلى شجرة عيد الميلاد، فما هي قصتها وتفسيرها؟ إنها تذكر بنجمة بيت لحم التي يزعم أنها تحركت في السماء وسطعت بشكل بديع وفريد فوق مسقط رأس المسيح عليه السلام لتعلن حدوث تلك الولادة المعجزة من عذراء هي السيدة مريم عليها السلام حيث شهد تلك النجمة فئة من المنجمين المجوس (في الأسفل نبذة عنهم) فلحقوا بها حتى وصلوا إلى بيت لحم وهم يعلمون يقيناً بأن شخصاً هاماً سيولد هناك ، ومن المعتقد أن ذلك حدث أيام الملك هيرودس الذي حكم في الفترة من العام 37 قبل الميلاد إلى 4 قبل الميلاد، ورد ذكر تلك القصة في الكتاب بعهده الجديد وعند الإصحاح الثاني من إنجيل متى:
“1 ولمَّا وُلِدَ يَسوعُ في بَيتَ لَحْمِ اليَهودِيَّةِ، على عَهْدِ المَلِكِ هِيرودُسَ، جاءَ إلى أُورُشليمَ مَجوسٌ. مِنَ المَشرِقِ 2 وقالوا:أينَ هوَ المَولودُ، مَلِكُ اليَهودِ؟ رَأَيْنا نَجْمَهُ في المَشْرِقِ، فَجِئْنا لِنَسْجُدَ لَه 3 وسَمِعَ المَلِكُ هِيرودُسُ، فاَضْطَرَبَ هوَ وكُلُّ أُورُشليمَ 4 فجَمَعَ كُلَ رُؤساءِ الكَهَنةِ ومُعَلَّمي الشَّعْبِ وسألَهُم:أينَ يولَدُ المَسيحُ؟ 5 فأجابوا:في بَيتَ لَحْمِ اليَهودِيَّةِ، لأنَّ هذا ما كَتَبَ النَبِـيٌّ: 6 يا بَيتَ لَحْمُ، أرضَ يَهوذا، ما أنتِ الصٌّغْرى في مُدُنِ يَهوذا، لأنَّ مِنكِ يَخْرُجُ رَئيسٌ يَرعى شَعْبـي إِسرائيلَ. 7 فَدَعا هيرودُسُ المَجوسَ سِرُا وتَحقَّقَ مِنْهُم مَتى ظَهَرَ النَّجْمُ، 8 ثُمَّ أرسَلَهُم إلى بَيتَ لَحْمَ وقالَ لَهُم:اَذْهَبوا واَبْحَثوا جيَّدًا عَنِ الطَّفلِ فإذا وجَدْتُموهُ فأَخْبِروني حتى أذهَبَ أنا أيضًا وأسْجُدَ لَه. 9 فلمَّا سَمِعوا كلامَ المَلِكِ اَنْصَرَفوا. وبَينَما هُمْ في الطَّريقِ إذا النَّجْمُ الذي رَأَوْهُ في المَشْرقِ، يَتَقَدَّمُهُمْ حتى بَلَغَ المكانَ الذي فيهِ الطِفلُ فوَقَفَ فَوْقَه. 10 فلمَّا رَأوا النَّجْمَ فَرِحوا فَرَحًا عَظيمًا جِدُا 11 ودَخَلوا البَيتَ فوَجَدوا الطَّفْلَ معَ أُمَّهِ مَرْيَمَ. فرَكَعوا وسَجَدوا لَه، ثُمَّ فَتَحوا أَكْياسَهُمْ وأهْدَوْا إلَيهِ ذَهَبًا وبَخورًا ومُرُا. 12 وأنْذَرَهُمُ الله في الحُلُمِ أنْ لا يَرجِعوا إلى هيرودُسَ، فأخَذوا طَريقًا آخَرَ إلى بِلادِهِم.”
- من الملاحظ أن ذكر تلك النجمة قد اقتصر على إنجيل متى إذ لم يرد ذكرها في أيٍ من الأناجيل الثلاث الأخرى (يوحنا، مرقس، لوقا) حيث تحدث إنجيل لوقا عن ميلاد المسيح دون ذكر النجمة بينما اكتفت أناجيل يوحنا ومرقس بذكر حياة المسيح في مراحل شبابه دون التطرق لحدث ولادته. ويبقى السؤال هنا: هل كانت نجمة بيت لحم حدثاً ماورائياً يمكن وصفه بالمعجزة ويعلن عن ولادة المسيح أم أن ولادة المسيح ترافق مع وقوع حادثة فلكية طبيعية في نفس الوقت ؟ ما زال هذا السؤال مثاراُ للجدل والنقاش ونذكر فيما يلي فرضيات للتفسير..
من هم المجوس ؟
هم كهنة أو ملوك كلدانيون أو فارسيون يهتمون بدراسة الفلك والظواهر الفلكية، واسم مجوس يعطى عادة للفلاسفة ورجال العالم خاصة علم الفلك ويقال أنهم سحرة ومنجمين من بين النهرين، ويعبدون النار. وكان علماء التنجيم من المجوس يعتقدون أن ظهور نجم علامة على ميلاد شخص عظيم. ويقال أن هؤلاء المجوس كانوا يتبعون مذهب (بلعام) الذي تنبأ بمجيء المسيح (سفر العدد). وهم كانوا يعرفون نبوته، وينتظرون هذا المولود العجيب الذي قال عنه (بلعام): “يبرز كوكب من يعقوب ..”.
متى ولد المسيح عليه السلام ؟
لحد الآن لا أحد يعلم على وجه الدقة تاريخ ولادة المسيح فالتقويم الحالي مبني على أن الولادة تمت خلال العام الأول للميلاد ، ولكن من المرجح أن الولادة حدثت في الفترة بين 2 قبل الميلاد إلى 7 قبل الميلاد.
مسلك النجوم:
بحسب ما ورد في إنجيل متى فإن النجم تصرف على غير ما نراه في النجوم حيث كان أمراً خارقاً للعادة فرح به الكثيرون ، ولكن النجوم لا تتحرك للعيان مباشرة في القبة السماوية نسبة لمواقع النجوم الأخرى بل تبدو متحركة فقط على مراحل متعاقبة من الشرق باتجاه الغرب عبر القبة السماوية خلال دوران الأرض حول نفسها ، كما أنها تبدو متحركة أيضاً وبنفس الإتجاه (من الشرق إلى الغرب) على مدى الأسابيع والأشهر خلال دورة الأرض حول الشمس.
- المجوس رأوا النجم في الشرق وتبعوه باتجاه الغرب ولحد الآن يبدو الأمر عادياً في تصرف النجوم حيث بدا أن النجم يمر في السماء على مدى أيام أو حتى أسابيع. لكن طرأ على ذلك الجسم الفلكي شيء غير عادي إذ أنه توقف في مكان ولادة الطفل ، فما هو ذلك الجسم الذي توقف في السماء لدرجة أن المجوس علموا بمكان الولادة في لحظة توقفه؟
- لم يذكر “متى” Matthew أي مميزات خاصة لذلك النجم سوى أنه كان شيئاً غير عادي وساطع وملون وبراق إلا أنه في نفس الوقت جذب إنتباه المنجمين المجوس والقادمين من بلاد الفرس.
فرضيات تفسير متنوعة:
يوجد عدد من الفرضيات بعضها منطقية والآخرى غريبة بعض الشيء نذكر منها:
1- سوبرنوفا:
الـ “سوبرنوفا” Supernova هو نجم يدخل مرحلة جديدة من حياته فينفجر مطلقاً كميات هائلة من الضوء ، في هذه الحالة قد يكون النجم خافتاً جداً إذا ما تم رصده بالعين المجردة ولكنه في نفس الوقت كان دليلاً هاماً بالنسبة للمجوس على ظهور نجم جديد في السماء. يرجح عالم الفلك البريطاني David H. Clark واثنين من زملائه في المجلة الفصلية للجمعية الملكية لعلوم الفلك أن إنفجار اً الـ سوبرنوفا حدث في العام 5 قبل الميلاد في برج الجدي.
2- مذنب:
قد يكون ما لاحظه المجوس مجرد مذنب يتحرط بمساره بشكل مستقل عن مواقع النجوم في السماء. وربما بدا ظاهرياً واقفاً في مكانه لبعض الوقت في السماء عندما التف. وبالفعل حدث أن مر المذنب هالي في عام 12 قبل الميلاد وتذكر سجلات القدامى من الفلكيين الصينيين مشاهدة غير متوقعة لجسمين في السماء في خلال تلك الفترة. أحد الجسمين كان مذنباً ظهر في جوار ألفا وبيتا في برج الجدي في شهر مارس في العام 5 قبل الميلاد. ثم ظهر مذنب آخر في شهر أبريل من العام 4 قبل الميلاد بالقرب من ألتير Altair (الطائر) وهي ألمع نجمة في كوكبة أكيلا Aquila (النسر الطائر).
3- يوفو:
يعتقد بعض الناس أن الله يرسل مخلوقات فضائية (ربما نوع من الملائكة) على متن مركبات (يوفو) وقد يكون هذا هو ما أرشد المجوس على بيت لحم. (إقرا عن : فرضية الخالدي- التفسير العقائدي لظاهرة الأطباق الطائرة) ومع أن هذا التفسير غريب بعض الشيء إلا أنه يفسر كيفية ظهور المفاجئ للجسم ثم تحركه ومن ثم توقفه تحديداً في مكان ولادة المسيح.
4- أسطورة:
قد تكون قصة النجم مجرد أسطورة أختلقت لإثبات رسالة المسيح . حيث كتب Martin Gardner وهو باحث متشكك :”برأيي المتواضع أعتبر قصة النجم مجرد أسطورة شبيهة بأساطير القدامى الأخرى مثل أعجوبة ظهور نجمة قيصر Caesar Pythagoras أو نجمة كريشنا (أحد الآلهة التي يقدسها الهندوس) ونجوم تظهر لأشخاص مشاهير “.
أرجح فرضيات التفسير:
الفرضيات التي نالت أعلى مقدار من المصداقية في يومنا هي أن تكون نجمة بيت لحم عبارة عن كوكب مفرد أو إقتران بين عدة كواكب.
1- إقتران بين عدة كواكب:
يفترض الفلكي كيبلر Johannes Kepler في القرن 17 أن النجمة قد تكون ناتجة عن حدوث إقتران بين كوكبين هما المشتري و زحل ، يمكن لهذا الإقتران النادر أن يحدث في العام 7 قبل الميلاد في برج الحوت وهي علامة من الأبراج ترمز في بعض الأحيان إلى بني إسرائيل. أما المشرف على برنامج مرصد غريفث الفلكي (جون موسلي) John Mosley في مدينة لوس أنجلوس فيعتقد أن نجمة الميلاد كانت سلسلة من الأحداث النادرة والتي حدث فيها إقتران كوكبي خلال السنوات من 3 قبل الميلاد إلى 2 قبل الميلاد. حيث كتب في مقال نشرتها MSNBC :” بدأ العرض في صباح 12 يونيو من عام 3 قبل الميلاد ،حينها شوهد كوكب الزهرة قريباً جداً من كوكب زحل في السماء الشرقية، ثم ما لبث أن حدث إقتران آخر بين كوكب الزهرة وكوكب المشتري في 12 من شهر أغسطس في برج الأسد التي ينظر إليها الفلكيون القدامى على أنها تشير إلى أصل بني إسرائيل، وفي الفترة التي تمتد بين شهر سبتمبر من عام 3 قبل الميلاد إلى شهر يونيو من عام 2 قبل الميلاد حدث أن مر كوكب المشتري من أمام نجم ريغولوس Regulus في برج الأسد عاكساً إتجاهه ثم عابراً مرة أخرى ثم التف ليعبر مجدداً أمام نفس النجم للمرة الثالثة. حيث نظر الفلكيون القدامى إلى تلك الحادثة على أنها ملفتة جداً خصوصاً أن كوكب المشتري كان يعتبر في نظرهم ملك الكواكب وكذلك نجم ريغولوس يطلق عليها اسم “النجم الملك”. وصل العرض إلى قمته في 17 يونيو حينها بدأ كوكب المشتري يقترب كثيراً من كوكب الزهرة بحيث أنه شوهد وبدون منظار كنجم واحد ساطع بتفرد.”
2- كوكب المشتري:
يعتقد العالم بفيزياء الفضاء الدكتور (مايك مولنار) Mike Molnar أنه وجد دليلاً يفيد أن نجمة بيت لحم قد تكون عبارة عن كوكب المشتري وتوصل إلى ذلك من خلال شكل محفور على قطعة نقد رومانية قديمة، حيث حملت القطعة علامة برج الحمل (يعتبر الكبش رمزاً لبني إسرائيل) وبجانبها نجم لامع . يعتقد مولنار بأن الجسم هو كوكب المشتري قائلاً:”مر المشتري بحادثتي كسوف سببها القمر في برج الحمل وذلك في العام 6 قبل الميلاد. وكوكب المشتري كان يعتبرك آنذاك نجمة فخمة وملكية تضخمت قوتها من جراء إقتران قريب بين كوكب المشتري والقمر ، وعملياً هناك إثبات من فلكي روماني بأن ظروف 17 أبريل من العام 6 قبل الميلاد ستأتي بإنسان ذو نفوذ وخالد ورسول يولد تحت إشارة برج الحمل (الكبش التي ترمز لبني إسرائيل).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire