dimanche 28 octobre 2012

جزار بلينفيلد .. أشهر سفاح في تاريخ أمريكا

أسوء سفاح في تاريخ أمريكا – برأي البعض - وصاحب أشهر "سلخانة" للنساء في بلاد العم سام، القاتل الذي حول أجساد ضحاياه إلى قطع أثاث في منزله وخاط لنفسه ثوبا من جلودهم !!. وها نحن اليوم نتناول القلم ونشحذ الهمم لنكتب عن ذلك المزارع المغمور الذي غدا بين ليلة وضحاها حديث الإذاعات والجرائد في طول الولايات المتحدة وعرضها. ذلك الرجل الذي تصوره الناس كوحش كاسر لا يعرف الرحمة، بينما كان هو في الحقيقة ضحية لجنون وتطرف الآخرين.
كانت الشمس تتأهب للمغادرة وراء الأفق حين توقف المأمور آرثر شلي وبضعة من رجاله أمام منزل آل جين، خلع الرجل قبعته ووقف يتأمل المنزل الخشبي ذو الطابقين في عتمة الغروب، عادت به الذاكرة سنوات عديدة إلى الوراء فتذكر سيدة المنزل، أوجستا جين، تلك المرأة غريبة الأطوار التي اعتزلت الناس في هذه المزرعة الموحشة ومنعت أولادها من مخالطة الآخرين في البلدة، كان منزلها كئيبا على الدوام، لكن منذ موتها قبل عقد من الزمان، غدا المنزل أكثر كآبة من أي وقت مضى، وقد زاد من سوداوية الصورة وبؤس المنظر انقطاع التيار الكهربائي عن المنزل منذ سنين طويلة بسبب الامتناع عن دفع الفواتير. لذا حين استفاق المأمور شيلي من ذكرياته أخيرا كان كل شيء حوله قد غرق في عتمة حالكة، فتناول الرجل فانوسا من يد أحد مساعديه ثم سار متمهلا نحو المنزل وهو يروم الدخول إليه عبر باب السقيفة الكبيرة الملحقة به.

عرين الشيطان:

داخل المنزل لم يكن أفضل حالا من خارجه، كان الظلام دامس والهواء ثقيل مشبع برائحة كريهة لا تطاق، فتوقف المأمور عند الباب يغالب شعوره بالاشمئزاز، وراح يلوح بفانوسه يمنة ويسرة محاولا استكشاف أرجاء المكان، كانت هناك أكوام من النفايات في كل مكان، وفي طرف السقيفة القصي كان هناك شيء معلق إلى السقف، بدا لوهلة كأنه جسد غزال أو حيوان ما، لكن المأمور لم يستطع تبين ماهيته جيدا من مكانه حيث يقف، أقترب منه على مهل حتى توقف على بعد خطوات قليلة منه، وهنا تقلصت ملامح وجهه وانفرجت شفتاه وأحس بنبضات قلبه تتسارع، فما خاله جثة غزال، لم يكن في الحقيقة سوى جسد بشري معلق إلى السقف بواسطة الحبال ومثبت بخطاف، كان الرأس مقطوع والبطن مبقورة والأعضاء التناسلية منزوعة بالكامل، وبدا واضحا بأنها جثة امرأة، وقد أرتاب المأمور في كونها جثة السيدة التي جاءوا يبحثون عنها، فطفق هو ورجاله يفتشون بقية أرجاء المنزل  أملا في العثور على الرأس للتثبت من هوية صاحبة الجثة، ولم يدم بحثهم طويلا، فقد عثروا على الرأس في المطبخ داخل كيس من القماش السميك، وقد صدق حدس المأمور، لأنه كان فعلا رأس السيدة بيرنيس واردن التي اختفت من متجرها بصورة غامضة مساء اليوم السابق. لكن ذلك الرأس الدامي لم يكن الشيء الوحيد الذي عثرت عليه الشرطة داخل منزل الرعب في تلك الليلة، فقائمة الموجودات الطويلة اشتملت أيضا على ثلاجة مليئة بالأحشاء واللحوم البشرية مع عشرة رؤوس مبعثرة في أرجاء المنزل تعود لنساء تم نزع القسم العلوي من جماجمهن لتحويله إلى وعاء للطعام!، وهناك أيضا تسعة أقنعة صنعت من وجوه بشرية مسلوخة، وثوب طويل مصنوع من الجلد البشري وقد ركبت له أثداء حقيقية، كما أحتوى المنزل على قطع أثاث ومصابيح وأسرة تم صنعها أو تطعيمها بالعظام والأوصال البشرية إضافة إلى بضعة كراسي كسيت بطانتها بالجلد البشري. أما أغرب الموجودات وأكثرها إثارة للاشمئزاز فقد تمثلت في صندوق أحذية يحتوي على تسعة أعضاء جنسية أنثوية منزوعة بالكامل ومدبوغة بعناية كبيرة! مع أربعة أنوف مجذوعة وبضعة شفاه مبتورة علقت جميعها بالخيوط كزينة للنوافذ! وكان هناك أيضا حزام جلدي مصنوع من حلمات أثداء النساء!!.

 
أخيرا حين انتهى المأمور شلي ورجاله من التفتيش، كان الجميع في حالة من الصدمة والذهول، لم يتخلوا أبدا، حتى في أسوء كوابيسهم رؤية مناظر بشعة كتلك التي شاهدوها داخل منزل ايد جين. كان أمرا لا يصدق، خصوصا في بلدة صغيرة وهادئة مثل بلينفيلد، لا عهد لها بالجرائم الدموية. ويقال بأن تلك المناظر المرعبة، إضافة للاعترافات المروعة التي أدلى بها ايدي لاحقا، كانت سببا رئيسيا في تدهور صحة المأمور شلي خلال السنوات القليلة التالية، فقد ظلت كوابيس الرؤوس المقطوعة والجثث المسلوخة تطارد الرجل وتقض مضجعه حتى قضت عليه في النهاية. أما سكان بلدة بلينفيلد فقد شعروا بمزيج من المرارة والحيرة والخوف، لم يستطع معظمهم استيعاب حقيقة أن ايدي، ذلك الشخص الخجول الذي عرفوه لسنوات طويلة، هو في الحقيقة سفاح مجنون يتلذذ بتقطيع أوصال النساء وتشويههن، لا بل أن البعض منهم، كاد أن يغشى عليه من هول الصدمة، خصوصا أولئك الذين اعتادوا تركه كجليس لأطفالهم خلال تواجدهم خارج المنزل.
أخبار منزل الرعب في بلينفيلد سرعان ما انتشرت بسرعة البرق في طول البلاد وعرضها، فتدفق الصحفيين من أنحاء الولايات المتحدة إلى شوارع البلدة الهادئة زرافات زرافات وجميعهم يسألون سؤالا واحدا لا غير .. من هو إيد جين ؟.

طفولة مضطربة:

أسمه الحقيقي هو ادوارد ثيودور جين (Edward Theodore Gein )، أبصر النور في مدينة لاكروسي في ولاية وسيكنسن الأمريكية في 27 آب / أغسطس عام 1906، والده جورج كان مدمنا على الكحول وزوجا ضعيفا مهزوز الشخصية خاضع بالكامل لسيطرة زوجته أوجستا التي كانت هي المعيل والمدبر لشؤون العائلة الصغيرة المكونة من الزوجين وطفليهما إيدي الصغير وأخوه الأكبر هنري.
كانت أوجستا امرأة قوية وحازمة، شديدة التدين، متطرفة في معتقداتها، الناس في نظرها مجموعة من الخطاة والمذنبين الذين يجب تجنبهم والابتعاد عنهم، خصوصا النساء، فجميع نساء العالم لم يكن بنظرها سوى أدوات شيطانية لإغواء البشر .. مجرد عاهرات وساقطات .. باستثناءها هي طبعا!.
وقد تحول توجسها من الناس وخوفها من الوقوع في الخطيئة إلى نوع من الهوس والوسواس القهري، فباعت منزل العائلة ومتجر البقالة الصغير الذي كانت تديره في لاكروسي واشترت بثمنهما مزرعة كبيرة نسبيا في ضواحي بلدة بلينفيلد، وحولت تلك المزرعة إلى ما يشبه السجن أو المعتقل، منعت الغرباء من الاقتراب منه وحرمت أطفالها من مخالطة الآخرين، وهكذا أصبحت آراءها الدينية المتشددة ونظرتها العوراء للحياة هي الطاغية والمهيمنة على تفكير وسلوك أبنيها، فنجحت في تشويه وتدمير تلك الروحين الطاهرتين البريئتين.
حتى عندما سجل الطفلين في المدرسة، حرصت أوجستا أشد الحرص على منعهما من اللعب والتواصل مع زملائهما وعاقبتهما بقسوة كلما حاولا التعرف على أصدقاء جدد، وقد تجلى تأثير أوجستا السيئ والمدمر بصورة أوضح على ايدي، الابن الأصغر والأشد تعلقا بأمه، فشب المسكين طفلا خجولا مضطربا مذعورا، وجد فيه زملائه فريسة سهلة ودعوة سانحة ومفتوحة للسخرية والضحك والتنمر، وهكذا تحولت المدرسة للأسف من فرصة ذهبية لتحسين وتطوير سلوكه الاجتماعي إلى عامل أضافي ساهم في تعزيز اضطرابه، لكن قد تكون الحسنة الوحيدة للمدرسة في حياة ايدي هي التعليم بحد ذاته، فمع أنه لم يكن طالبا لامعا أو بارزا في صفه، إلا أنه كان متفوقا بالقراءة ومولعا بشكل خاص بمطالعة المجلات والجرائد.
ايدي وهنري قضيا معظم فترة الطفولة والصبا والشباب معا، لم يكن لديهما أي أصدقاء، قاما بجميع أعمال المزرعة واجتهدا لإرضاء أمهما، لكنها نادرا ما أسمعتهما كلاما جميلا أو شكرتهما، بالعكس .. غالبا ما تعرضا للإهانة والتعنيف من قبلها لسبب ومن دون سبب.

موت هنري الغامض:

في عام 1940 مات الأب السكير أخيرا، رحل جورج جين أثر أصابته بنوبة القلبية، وبموته تغيرت حياة الأخوين بشكل جذري، فمع أن والدهما لم يكن له دور يذكر في حياتهما وكان عاطلا عن العمل لأغلب فترات حياته، إلا أن الأعمال المؤقتة والمتفرقة التي كان يشتغل بها من حين لآخر في البلدة كانت تسهم في توفير بعض النقود للعائلة، وبموته اضطرت أوجستا للسماح لولديها بالعمل في البلدة من أجل إمرار المعاش، ومثل أبيهما أشتغل الولدان في وظائف مؤقتة تعتمد على الجهد البدني ولا تتطلب أية مهارة أو خبرة، كأعمال الحمل والنقل والبناء والزراعة، كما أشتغل ايدي أيضا كجليس للأطفال في منازل الجيران والمعارف، وقد عشق هذا العمل بصورة خاصة لأنه كان يشعر براحة وعفوية كبيرة عند تعامله مع الأطفال.
بمرور الزمن، ومع اندماج الأخوين أكثر فأكثر في حياة البلدة، بدأ هنري يتمرد تدريجيا على قيود وقوانين أمه، راح ينتقد طريقتها في الحياة وبلغت به الجراءة حد مجادلتها صراحة بشأن تأثيرها السيئ والمدمر على حياة وشخصية شقيقه الأصغر. وقد تسببت هذه الانتقادات بمرارة كبيرة لايدي الذي كان خاضعا بالكامل لسيطرة أمه. 
 
صورة مطبخ ايد جين
بمرور الزمن، ومع اندماج الأخوين أكثر فأكثر في حياة البلدة، بدأ هنري يتمرد تدريجيا على قيود وقوانين أمه، راح ينتقد طريقتها في الحياة وبلغت به الجراءة حد مجادلتها صراحة بشأن تأثيرها السيئ والمدمر على حياة وشخصية شقيقه الأصغر. وقد تسببت هذه الانتقادات بمرارة كبيرة لايدي الذي كان خاضعا بالكامل لسيطرة أمه.
الوضع المتأزم بين هنري وأمه لم يدم طويلا، ففي يوم 16 أيار / مايو عام 1944 وقعت حادثة مروعة في مزرعة آل جين غيرت مجرى الأحداث بالكامل وأعادت الأمور إلى نصابها المعتاد. في ذلك اليوم قرر هنري حرق بعض الحشائش والأحراش في أطراف المزرعة، لكن النيران خرجت عن سيطرة الأخوين فطلبا مساعدة دائرة المطافئ في البلدة، وبحلول المساء تمكن رجال الإطفاء من إخماد الحريق، لكن هنري كان مفقودا، اختفى أثناء الحريق، مما حدا بالشرطة إلى القيام بحملة تمشيط واسعة خلال الليل بحثا عنه، وقد عثروا عليه بعد عدة ساعات ممددا على الأرض وقد فارق الحياة في بقعة بعيدة نسبيا عن مكان الحريق وقد خلا جسده من أية آثار لحروق أو جروح.
كان موت هنري مريبا بحق، لكن الشرطة اعتبرته عرضيا ورجحت أصابته بنوبة قلبية جراء الذعر من الحريق، إلا أن الشكوك المحيطة بظروف موته طفت على السطح مرة أخرى بعد اكتشاف جرائم ايدي عام 1957 حيث بدء المحققون يرتابون في تورطه بمقتل شقيقه بسبب انتقادات هذا الأخير لأمه وتمرده عليها، لكن تلك الشكوك لم ترق إلى مستوى الاتهام، وظلت ظروف مقتل هنري لغزا يكتنفه الكثير من الغموض.

وحدة وأوهام:

في عام 1945 ماتت أوجستا جين أثر نوبة القلبية، وقد شكل موتها صدمة كبيرة وخسارة فادحة لايدي، فأمه كانت تعني كل شيء بالنسبة له، وبموتها أنهار عالمه تماما، ظل وحيدا في المزرعة، أقفل أبواب معظم غرف المنزل وحرص على بقاءها على حالها، أي كما كانت في حياة أمه واكتفى هو بالعيش وحيدا في حجرة صغيرة مجاورة للمطبخ، كما أستمر في العمل من حين لآخر في البلدة، في أشغال مؤقتة كالعادة، أما أوقات فراغه الطويلة فقد أمضاها في قراءة المجلات ومطالعة الكتب، خصوصا تلك التي تتحدث عن الموت والقتل والسادية والتعذيب، وقد أعجب أيما إعجاب بقصص معسكرات الأسر النازية، استهوته بشكل خاص تجارب النازيين الوحشية على البشر، ومن شدة إعجابه بتلك القصص راح يقتني كتب التشريح ليتعلم منها أصول تقطيع وتمزيق الأجساد البشرية!. ومن ناحية أخرى فأن موت أوجستا أطلق العنان لغرائزه المكبوتة، فشعر برغبة عارمة لممارسة الجنس، تلك الممارسة التي كانت أمه تعدها خطيئة وقذارة، لكن خجله الشديد من النساء حال دون تحقيق رغبته، فطفق يبحث عن وسيلة أخرى للتنفيس عن لواعج ومكنونات نفسه. 

القاتل الحقيقي
وفي يوم ما، بينما كان جالسا في منزله يطالع الجرائد محلية، وقعت عيناه فجأة على خبر نعي أحدى السيدات التي توفت حديثا في البلدة، وأثناء قراءته لتفاصيل الخبر، برقت في عقله فكرة غريبة وشاذة إلى درجة أنها قد لا تخطر إلا على عقول المجانين!.

حفار القبور:

السيدة التي نقلت الجريدة خبر موتها كانت في الخمسينيات من عمرها، امرأة في خريف العمر، صنف من النساء عشقه ايدي بشدة لأنه رأى فيها صورة أمه، فراح يراقب جنازتها من بعيد، حتى إذا ما دفنت وأنصرف ذووها والمعزين، تسلل تحت جنح الظلام إلى المقبرة و أنشب معوله في تربة القبر الذي لم تمض سوى ساعات قليلة على إغلاقه، أزاح التراب وأستل الجثة من التابوت ساحبا إياها إلى سيارة الشحن القديمة التي ورثها عن أخيه، ثم عاد إلى القبر ثانية فسواه بعناية كبيرة لئلا يشك أحد بتعرضه للنبش.

في تلك الليلة عاد ايدي إلى المنزل محملا بأولى غنائمه البشرية، امرأة حقيقية من لحم ودم .. صحيح أنها ميتة، لكنها أفضل بالطبع من خيالاته وأوهامه الفارغة، امرأة يستطيع أن يفعل بها ما يشاء من دون أن تطارده عيناها بنظرات لاسعة تستفز طبعه الخجول.
تذكر عزيزي القارئ بأننا لا نتحدث هنا عن إنسان سوي، بل عن مختل مضطرب، فحتى الجنس عنده لم يكن كما هو عند الناس الطبيعيين، ولاحقا حين سأله المحققون عما إذا كان قد مارس الجنس مع الجثث أنكر قيامه بذلك لأنها حسب قوله : "كانت رائحتها فظيعة"، لكنه مع هذا أحتفظ بجميع الأعضاء الجنسية لجثث النساء التي حملها إلى منزله، انتزعها من أجسادهن العفنة وخبأها في صندوق خشبي للأحذية، ربما لكي يفرغ فيها شهوته لاحقا كلما طاب له ذلك، أو لكي يضيفها لاحقا إلى ذلك الثوب المخيف الذي صنعه من الجلود المنزوعة من بطونهن وأوراكهن وأفخاذهن، الثوب الذي ارتداه ورقص به على أنغام خيالاته المجنونة في ظلمة ذلك المنزل الموبوء برائحة الموت والعفن، وهو ثوب أراده تجسيدا لصورة أمه التي سيطرت على جسده وروحه وأفكاره، المرأة التي أخضعته لسلطانها حتى تحولت في نظره إلى رمز القوة المطلقة في هذا العالم، وهكذا فأن خوفه وكرهه الباطني لتلك السلطة الغاشمة والدكتاتورية القاسية التي مارستها عليه تحول بالتدريج إلى رغبة لا تقاوم في أن يتحول هو نفسه إلى امرأة .. إلى مخلوق قوي ومسيطر.

هناك بعض المصادر الأمريكية تشير إلى إن أيدي نبش قبر أمه أيضا وعبث بجثتها، وأخرى تحدثت عن أكله للحوم البشر؛ طبعا لا يوجد ما يثبت قيامه بتلك الأمور، وفي نفس الوقت لا يستبعد قيامه بذلك، فثلاجته كانت مليئة بالأحشاء واللحوم البشرية، وكان هناك قلب بشري داخل مقلاة على الموقد.
وبغض النظر عن الأقاويل والقصص الكثيرة التي تداولها الناس عن ايدي، فالشيء المؤكد هو أنه كان عبقريا في تعامله مع الجثث، كان يعلقها إلى السقف ثم يقف يتأملها مستلا سكينه، تماما كفنان موهوب يتأهب لخلق لوحة جميلة، بعدها كان يباشر عمله بروية محولا تلك الأجساد إلى تحف غريبة، كأن يصنع وعاءا من الجمجمة، أو مزهرية من ثدي، أو يبدع أثاثا من الأيدي والأقدام ويخلق أقنعة من الجلود المسلوخة .. كان فنانا موهوبا بحق!!.
صنع لنفسه ثوبا من جلود البشر .. صورة غير حقيقية

جرائم القتل:

لسنوات طويلة أستمر ايدي في زيارة مقابر بلدة بلينفيلد تحت جنح الظلام، نبش خلالها العديد من القبور، أحيانا كان يتكاسل عن حمل الجثة بأكملها إلى منزله فيكتفي باستقطاع الأجزاء التي يحتاجها منها!، لكن رغم نجاحه الباهر في جميع غزواته وغاراته الليلية، ورغم أن أحدا لم ينتبه إلى كل تلك القبور المنبوشة والجثث المنهوبة، إلا أن الضجر بدء يتسلل إلى قلب أيدي بالتدريج، أصابه الممل مثل جميع الناس، تماما كما يخفت لهيب الحب والغرام في قلوب العاشقين بعد سنين من الزواج، وكما يمل الشخص من سيارته الجديدة بمرور الوقت وتكرار استعمالها .. الخ .. وهكذا فأن ايدي أيضا مل من الجثث المتآكلة التي كانت مقابر بلينفيلد تجود بها عليه، صار يتطلع إلى شيء جديد .. بالتأكيد هو لم يرد تجربة العلاقة مع امرأة حية، امرأة يمكنها أن تسخر من خجله وضعف شخصيته، لكنه تطلع إلى جثة طرية وطازجة، أراد احتضان امرأة ميتة لا تفوح منها رائحة العفن ولم يبدأ جسدها بالتحلل بعد، وللحصول على هكذا جثث لم يكن أمامه سوى خيار واحد .. القتل.
لا احد يعلم على وجه الدقة متى أرتكب ايدي أولى جرائمه، ولا العدد الحقيقي لضحاياه، فبلدة بلينفيلد شهدت اختفاء العديد من النساء والرجال والأطفال خلال الفترة التي قضاها ايدي وحيدا في المزرعة، أي منذ موت أمه عام 1945 وحتى إلقاء القبض عليه عام 1957. لكن جميع تلك القضايا قيدت ضد مجهول، ولم تنسب لايدي سوى جريمتين فقط، الأولى هي جريمة قتل ماري هوغان عام 1954 التي كانت تدير نزلا وحانة في بلينفيلد، والثانية جريمة قتل بيرنيس واردن عام 1957 التي كانت تدير متجرا للعدد والأدوات في بلينفيلد أيضا، وهي الجريمة الوحيدة التي أدين بها أيدي لاحقا. وفي كلتا الجريمتين اعتمد ايدي أسلوبا واحدا، دخل إلى موقع الجريمة عند خلو المكان، أستغل معرفة الضحية به واطمئنانها إليه، وحين أدارت له ظهرها باغتها  بإطلاقه من مسدسه في الرأس فأرداها قتيلة في الحال، أخيرا سحبها إلى سيارة الشحن خاصته ونقلها إلى منزله حيث قام بتقطيعها والعبث بجسدها. والأمر الذي سهل على ايدي ارتكاب جريمته هو ثقة سكان البلدة به، كانوا لا يأبهون له كثيرا، عرفوه شخصا خجولا مسالما كثيرا ما أضحكتهم جمله وعباراته الطريفة، والعديد منهم فتحوا له أبواب منازلهم فكان صديقا لهم ولأطفالهم. الطريف أنه كان يحدثهم أحيانا بصراحة عن الجثث والرؤوس البشرية التي تملئ منزله، لكن أحدا لم يصدقه؛ في إحدى المرات أصطحب معه إلى المنزل احد أصدقاءه من فتيان البلدة وأراه رأسا بشريا كان قد قام بقطعه وتحنيطه، وحين عاد الفتى إلى منزله اخبر والديه عما رآه، فضحكا منه ولم يأخذا كلامه على محمل الجد. لا بل والأدهى من ذلك أنه خلال البحث عن ماري هوغان التي قتلها ايدي كما ذكرنا أنفا، سأله احد الرجال عرضا عما إذا كان قد رآها، فأجابه ايدي بأنها موجودة في منزله، لكن الرجل ظنه يمزح!.

 من البقايا البشرية التي تم العثور عليها في منزل ايدي

حتى ألقاء القبض على ايدي حدث الصدفة، فأبن السيدة واردن كان يعمل في مكتب المأمور، وقد تذكر بأن ايدي كان كثير التردد على متجر والدته في الأسابيع الأخيرة، وتذكر أيضا أنه أخبره في الليلة السابقة لاختفاء أمه بأنه سيعود في الصباح ليشتري من المتجر عبوة من سائل مانع التجمد. وقد شهد أحد جيران السيدة واردن بأنه رأى ايدي وهو يقف بشاحنته إمام المتجر صباح اليوم التالي، كما أن السيدة واردن نفسها كانت قد سجلت بيع لتر من سائل مانع التجمد كآخر فقرة في دفتر مبيعاتها في ذلك اليوم. وهكذا فقد قرر المأمور شلي زيارة ايدي في منزله لسؤاله عن سبب تواجده في متجر السيدة واردن صباح يوم الجريمة فأفضت تلك الزيارة إلى اكتشاف الجثث في منزل ايدي كما أسلفنا.

الوحش يعترف:

 في اليوم الأول لاعتقاله بقى ايدي صامتا ورفض تماما التحدث إلى الشرطة، لكنه بدأ يتكلم في اليوم التالي، أخذ يروي تفاصيل جرائمه بإسهاب وحماس منقطع النظير، بدا وكأنه يستمتع بأخبار الشرطة عن التفاصيل، حتى المحققين ذوي الباع الطويل في التعامل مع عتاة المجرمين شعروا بالاشمئزاز والغثيان من اعترافاته، لم يصدقوا بأن أنسانا يمكنه اقتراف كل هذه الشرور لسنوات طويلة من دون أن يكتشف أمره، وأيقنوا في النهاية بأنهم أمام إنسان مجنون بالكامل.

 القاء القبض على ايدي

 ايدي أخبر المحققين بأن معظم الجثث التي عثروا عليها في منزله هي لنساء ميتات أصلا، وحين رفضوا تصديقه قادهم بنفسه إلى القبور التي قام بنبشها، وللتأكد قاموا بفتح أثنين من تلك القبور، وبالفعل كان التابوت فارغا. وأجمالا تم العثور على جثث وبقايا خمسة عشر شخصا في منزل ايد جين، كلها لنساء، لكن لم يتم اتهام ايدي سوى بجريمة واحدة، وهي قتل السيدة بيريس واردن.
منزل المزرعة تعرض للحرق بعد إلقاء القبض على ايدي، تحول إلى كومة ركام، وحين أخبروه باحتراق منزله أجاب ايدي بهدوء : "كأحسن ما يكون". والأرجح أن سكان بلدة بلينفيلد هم من قاموا بحرق المنزل خلسة لكي لا يتحول إلى معلم من معالم بلدتهم.
خلال محاكمته الأولى عام 1957 قرر القاضي بأن ايدي غير مؤهل من الناحية العقلية للمثول إمام المحكمة، لذا تم تحويله إلى إحدى المصحات العقلية حيث مكث هناك 11 عاما حتى اطمئن الأطباء لقدرته على المثول أمام المحكمة مرة أخرى، وهكذا حوكم ثانية عام 1968 وتمت إدانته بفقرة قتل واحدة، لكن بسبب مشاكله النفسية تم تحويله إلى المصحة العقلية مرة أخرى ليقضي بقية حياته هناك. الأطباء في المصحة قالوا بأن ايدي كان أفضل مرضاهم. و ايدي نفسه كان في غاية السعادة وقضى أروع سنوات حياته هناك، فالرجل في النهاية كان مختلا عقليا بحاجة إلى الرعاية والتفهم والحنان.

قبر السفاح

في  26 تموز / يوليو 1984 فارق ايد جين الحياة في إحدى المستشفيات بسبب مضاعفات أصابته بالسرطان، والمفارقة أنهم قاموا بدفنه في المقبرة التي طالما اعتاد نبش قبورها خلال حياته .. مقبرة بلينفيلد!!. رحل ايدي أخيرا .. لم يتبق من ذكراه سوى شاهد قبر محطم و حكاية تروى و عبرة لكل أب وأم حريصين على مستقبل أطفالهم، فهو لم يكن وحشا كاسرا كما صوره الإعلام، بل كان هو الضحية، طفل مسكين جنت عليه تربية خاطئة معوجة حطمت روحه المتوثبة للحياة وأصابتها بالشلل، فالروح عزيزي القارئ كما الجسد، تمرض أحيانا، وقد تبقى عليلة وكسيحة لما تبقى من حياتها. وكم في هذه الدنيا من أمثال ايد جين، رجال ونساء قد تبهرك هيئتهم ويسحرك كلامهم، لكن لو أتيحت لك فرصة النظر إلى دواخلهم .. "لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا" .. لأنك لن ترى سوى روح مريضة مشوهة تعج بالآلام والأوهام ..

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire