samedi 8 décembre 2012

حضارة بلاد ما بين النهرين: بابل

بلاد مابين ا لنهرين القديمة. كانت تعرف قديما ببلاد سومر وبلاد سومر أكد وكانت تقع بين نهريدجلة والفرات جنوب بغداد بالعراق. فظهرت الحضارة البابلية ما بين القرنين 18ق.م. و6 ق.م. وكنت تقوم علي الزراعة وليس الصناعة. وكانت بابل دولة أسسها حمورابي الدولة البابلية عام 1763ق.م. وهزم آشور عام 1760 ق.م, وأصدر قانونه 
شريعة حمورابيوفي عام 1600ق.م.
 إستولي ملك الحيثيين مارسيليس علي بابل واستولي الآشوريون عليها عام 1240 ق.م. بمعاونة العلاميين. وظهر نبوخد نصر كملك لبابل (11245ق.م.- 1104 ق.م.) ودخلها الكلدان عام 721 ق.م.( ثم دمر الآشوريون مدينة بابل عام 689 ق.م. إلا أن البابليين قاموا بثورة ضد حكامهم الآشوريين عام 652 ق.م. وقاموا بغزو آشور عام 612 ق.م. واستولي نبوخد نصر الثاني علي أورشليم عام 578 ق.م. وسبي اليهود عام 586 ق.م. إلى بابل. وهزم الفينيقيين عام 585 ق.م. وبني بابل المعلقة”>حدائق بابل المعلقة. ثم إستولي الإمبراطور الفارسي 

قورش علي بابل عام 500 ق.م. وضمها لإمبراطوريته.
إذا كان لنا أن نقترب أكثر من حضارة بابل القديمة ، فسنجد أن الحضارة كالحياة صراع دائم مع الموت ؛ وكما أن الحياة لا يتسنى لها أن تحتفظ بنفسها إلا إذا خرجت عن صورها البالية القديمة وإتخذت لها صوراً أخرى فتية جديدة ، فكذلك الحضارة تستطيع البقاء مزعزعة الأركان بتغيير موطنها ودمها. ولقد إنتقلت الحضارة من أوربا إلى بابل و يهوذا ، ومن بابل“>بابل إلى نينوى ، ومن هذه كلها إلى برسيبوليس و سارديس و ميليتس ، ومن هذه الثلاثة الأخيرة و مصر و كريت ، إلى بلاداليونان و روما. وما من أحد ينظر الآن إلى موقع مدينة بابل القديمة ثم يحظر بباله أن هذه البطاح الموحشة ذات الحر اللافح الممتدة على نهر الفرات كانت من قبل موطن حضارة غنية قوية كادت أن تكون هي الخالقة لعلم الفلك ، وكان لها فضل كبير في تقدم الطب ، وأنشأت علم اللغة وأعدت أول كتب القانون الكبرى ، وعلمت اليونان مبادئ الحساب ، وعلم الطبيعة والفلسفة ، وأمدت اليهود بالأساطير القديمة التي أورثها العالم ، ونقلت إلى العرب بعض المعارف العلمية والمعمارية التي أيقظوا بها روح أوربا من سباتها في العصر الوسيط. وإذا ما وقف الإنسان أمام دجلة والفرات الساكنين فإنه يتعذر عليه أن يعتقد أنهما النهران اللذان أرويا سومر و 

أكد وغذيا حدائق بابل المعلقة.
والحق أنهما إلى حد ما ليسا هما النهرين القديمين ؛ وذلك لأن النهرين القديمين قد اختطا لهما من زمن بعيد مجريين جديدين ، "وقطعا بمناجلهما البيض شطآنا أخرى". وكان نهرا دجلة والفرات كما كان نهر

النيل في مصر طريقاً تجارياً عظيماً يمتد آلاف الأميال ، وكانا في مجرييهما الأدنيين يفيضان كما يفيض نهر النيل في فصل الربيع ويساعدان الزراع على إخصاب الأرض. ذلك أن المطر لا يسقط في بلاد بابل إلا في أشهر الشتاء؛ أما فيما بين مايو ونوفمبر فإنه لا يسقط أبداً ؛ ولولا فيضان النهرين لكانت أرضهما جرداء كما كان الجزء الشمالي من أرض الجزيرة في الأيام القديمة وكما هو في مثل هذه الأيام. ولكن بلاد بابل قد أضحت بفضل ماء النهرين الغزير ، وكد الأهلين أجيالاً طوالاً ، جنة الساميين وحديقة بلاد آسيا القديمة وهُريها.
وبلغ من حذق حمورابي أن خلع على سلطانه خلعة من رضاء الآلهة بالرغم من أن قوانينها كانت تمتاز بصبغتها الدنيوية غير الدينية. من ذلك أنه شاد المعابد كما شاد القلاع ، وإسترضى الكهنة بأن أقام لمردوك وزوجته (إلهي البلد القوميين) في مدينة بابل هيكلاً ضخماً ومخزناً واسعاً ليخزن فيه القمح للإلهين وللكهنة. وكانت هاتان الهديتان وأمثالهما في واقع الأمر بمثابة مال يستثمر أبرع إستثمار ، جنى منه ربحاً وفيراً هو الطاعة الممتزجة بالرهبة التي يقدمها إليه الشعب. وإستخدم ما حصل عليه من الضرائب في تدعيم سلطان القانون والنظام ، وإستخدم ما تبقى بعد ذلك في تجميل عاصمة ملكه ، فأنشأت القصور والهياكل في جميع نواحيها ، وأقيم جسر على نهر الفرات حتى تمتد المدينة على كلتا ضفتيه، وأخذت السفن التي لا يقل بحارتها عن تسعين رجلاً تمخر عباب النهر صاعدة فيه ونازلة ، وأضحت بابل قبل ميلاد المسيح بألفي عام من أغنى البلاد التي شهدها تاريخ العالم قديمه وحديثة. وكان البابليون ساميين في مظهرهم سود الشعر سمر البشرة ، رجالهم ملتحون ، ويضعون على رؤوسهم أحياناً شعراً مستعاراً وكانوا رجالاً ونساء على السواء يطيلون شعر رؤوسهم ، وحتى الرجال كانوا أحيانا يرسلون شعرهم في ضفائر تنوس على أكتافهم ، وكثيراً ما كان رجالهم ونساؤهم يتعطرون. وكان ثياب الجنسين المألوف مئزراً من نسيج الكتان الأبيض يغطي الجسم حتى القدمين ، ويترك إحدى كتفي المرأة عارياً ، ويزيد عليه الرجال دثاراً وعباءة، ولما زادت ثروة السكان تذوقوا حب الألوان ، فصبغوا أثوابهم باللون الأزرق فوق الأحمر أو بالأحمر فوق الأزرق، في صورة خطوط أو دوائر أو مربعات أو نقط. ولم يكونوا كالسومريين حفاة الأقدام بل إتخذوا لهم أخفافاً ذات أشكال حسنة ، وكان الذكور في عصر حمورابي يتعممون ، وكان النساء يتزين بالقلائد والأساور والتمائم، ويحلين شعرهن المصفف بعقود من الخرز. وكان الرجال يمسكون في أيديهم عصياً ذوات رؤوس منحوتة منقوشة، ويحملون في مناطقهم الأختام الجميلة الشكل التي كانوا يبصمون بها رسائلهم ووثائقهم. وكان كهنتهم يلبسون فوق رؤوسهم قلانس طويلة مخروطية الشكل ليخفوا بها صفتهم الآدمية. وزادت الثروة فأنتجت في بابل ما تنتجه في سائر بلاد العالم. ذلك أن من السنن التاريخية التي تكاد تنطبق على جميع العصور أن الثراء الذي يخلق المدنية هو نفسه الذي ينذر بإنحلالها وسقوطها. فالثراء يبعث الفن كما يبعث الخمول ؛ وهو يرقق أجسام الناس وطباعهم، ويمهد لهم طريق الدعة والنعيم والترف ، ويغري أصحاب السواعد القوية والبطون الجائعة بغزو البلاد ذات الثراء. وكان على الحدود الشرقية لهذه الدولة الجديدة قبيلة قوية من أهل الجبال هي قبيلة الكاشيين تحسد البابليين على ما أوتوا من ثروة ونعيم. فلم يمض على موت حمورابي إلا ثمان سنين حتى إجتاحت رجالها دولته، وعاثوا في أرضها فساداً يسلبون وينهبون ، ثم إرتدوا عنها، ثم شنوا عليها الغارة تلو الغارة ، وإستقروا آخر الأمر فيها فاتحين حاكمين ، وهذه هي الطريقة التي تنشأ بها عادة طبقة السراة في البلاد. ولم يكن هؤلاء الفاتحون من نسل الساميين ولعلهم كانوا من نسل جماعة المهاجرين الأوربيين جاءوا إلى موطنهم الأول في العصر الحجري الحديث ، ولم تكن غلبتهم على أهل بابل الساميين إلا حركة أخرى من حركات الهجوم والإرتداد التي طالما حدثت في غرب آسيا. وظلت بلاد بابل بعد هذا الغزو عدة قرون مسرحاً للإضطراب العنصري والفوضى السياسية اللذين وقفا في سبيل كل تقدم في العلوم والفنون. ولدينا صورة واضحة من هذا الإضطراب الخانق في رسائل تل العمارنة التي يستغيث فيها أقيال بابل وسوريا بمصر التي كانوا يؤدون إليها خراجا متواضعاً بعد إنتصارات 
تحتمس الثالث ، ويتوسلون إليها أن تمد إليهم يدها لتعينهم على الثوار والغزاة.


النظام السياسي والإداري

عرف البابليون نظام الحكم الملكي الوراثي، إذ كان يخلف الابن أباه في الحكم، ونادراً ما كان الملوك يمتلكون السيادة المطلقة. ومع ادعائهم أن الآلهة هي التي اختارتهم لحكم البلاد، وفوضت إليهم التصرف في شؤون الرعية، فلم يؤلهوا أنفسهم، كما فعل غيرهم.

وكان للملك أن يقرر للموظفين الكبار في القصر حدود المهام التي يوكلها إليهم. وأن يكلفهم العمل ضباطاً أيام الحرب. ولم يكن الملك يحمل ألقاباً فضفاضة مثل ملك الجهات الأربع التي كانت شائعة في المملكة الأكدية، بل كانوا يكتفون بلقب «الملك الكبير»، «الملك القوي»، كما أطلق حمورابي على نفسه لقب «الراعي الوالد». وكان القصر الملكي يكون المركز الإداري إلى جانب المعبد. وكان الوزير (سوكَلّو) يساعد الملك، والمحافظ (أو الحاكم/الوالي) (ربيانون ، أي الكبير، يدير الأقاليم والمقاطعات باسم الملك. ثم شاعت تسمية (خَزْيانُم/خَزَنّمُ) له. وكان من الواجب على مختلف موظفي الإدارة أن يكونوا ضليعين في الكتابة، ولذلك كثيراً ما كان يشار إليهم بصفة «الكتّاب» (طبُشَروّ) أيضاً، مع مجالات عملهم ومن أهمها: إدارة شؤون الزراعة الخاصة بالقصر والمعبد. كما كان يجب عليهم قياس الأراضي لأصحاب الأملاك أو المزارعين المستأجرين، ومراقبة شؤون تربية الحيوان والصيد. وكان ثمة موظفون مسؤولون عن تنظيم القنوات المائية الرئيسة وصيانتها، وإقامة الحواجز والسدود على الأنهار، أما أمر تحصيل الضرائب والرسوم المختلفة من التجار وأصحاب المهن المختلفة فكانت تقع على مسؤولية الجباة (ماكِسُ).

 

الزراعة


كانت الزارعة في بلاد بابل تتطلب، مع توافر المياه من نهري دجلة والفرات، عملاً مضنياً وتنظيماً دقيقاً، ولكنها كانت تثمر غلالاً وفرة، فكان من الضروري شق القنوات لإيصال المياه إلى الحقول، وكانت مسؤولية القنوات الرئيسة تلقى على كاهل الدولة. أما المزارعون فهم الذين يتولون القنوات الصغيرة الثانوية والعناية بها. وكان المألوف أن تبذر المحاصيل في أواخر الخريف وتحصد في نهاية الربيع. وكانت الغلال تحصد بالمناجل. ويبدو أن البابليين كانوا يستخدمون النورج للدراس، ثم يقومون بعملية التذرية، وبعدها بتخزين المحصول في أهراء قريبة من الحقول.

أما المحاصيل فكانت من القمح والشعير، والعدس، والحمص، والكتان، والسمسم، والبازلياء والشوفان والدّخْن والجلّبان. وكان الشعير يحتل المقام الأول من حيث الاستخدام البشري. فكانوا يصنعون منه الخبز والطحين والجعة (البيرة). واستخرج البابليون الزيت من السمسم لفقر بلادهم بأشجار الزيتون، وصنعوا الأنسجة من الكتان. وكان تمر النخيل من أكثر المواد الغذائية أهمية، كما كان لخشب النخيل استخدامات مختلفة في مجال البناء مع سوء نوعيتها. ومن أشجار الفاكهة المعروفة التين والرمان والتفاح، ولم تكن الحمضيات معروفة في بابل. وكثيراً ما استخدم البابليون النباتات والأعشاب للتداوي.

كما كانت تربية الحيوان شائعة عند البابليين. فكان الكلب من أقدم الحيوانات المنزلية لكثرة فوائده في الحماية والصيد. كما اعتنى البابليون بتربية القطط المنزلية. واستعان البابليون بالحمار وورد ذكر البغل أيضاً في الكتابات البابلية، أما الحصان فقد تأخر ظهوره في بلاد بابل، ومثله الجمل. كما اعتنى البابليون بتربية البقر والغنم والماعز والخنزير. ونجد في المشاهد التصويرية رسوماً كثيرة للثيران، وكان الثور رمزاً لإله القمر، ونلاحظ أن الملوك كانوا يلقبون أنفسهم باللقب الإلهي «الثور» إشارة إلى القوة. كما كان راعي الأغنام النموذج الحقيقي للرعاة ولقب «الراعي» اتخذه كثير من الملوك لأنفسهم.

وإلى جانب الدواب كان البابليون يعنون بتربية الطيور مثل الإوز والبط، وكذلك الدجاج والنعام والحمام.

 

المهن والحرف


أطلق البابليون، ومعهم الآشوريون والأكديون من قبلهم لفظة (أومّانوتو) على الحرف اليدوية، ولفظة أومّيا/أومّانو على معلم الحرفة. وكان الغزل والنسيج، والخياطة والتطريز من أهم الحرف التي اختصت بها النساء. وثمة شواهد تشير إلى صنع أثواب ثمينة للملوك وكبار الكهنة وغيرهم. وكانت مادة الخياطة والنسيج الصوف والكتان. وقد عرف البابليون، مثل خلفائهم، الأقمشة الملونة وصباغتها بوساطة الشب والقرمز. وقد شاع استخدام الأنوال في النسيج. وكان ثمة حِرَف أخرى متميزة كحرفة صانعي الأكياس والسجاد. وتعد نصوص ماري البابلية القديمة ونصوص نوزي أغنى النصوص من حيث المعلومات المتصلة بصناعة السجاد. ويبدو أن صناعة المنسوجات كانت مجال عمل لكثير من الناس في كل العصور، ومن ثم مجالاً اقتصادياً ذا أهمية متميزة. ولا شك أن فراء الحيوانات المختلفة كان يوفر أقدم الثياب للإنسان، وقد استخدم بعضها في صنع الأحذية. ومن أكثر الحيوانات التي استفاد الناس من جلودها البقر، والماعز. وكان للجلد استخدام قليل للكتابة عليه. وكان القصب يستخدم في صناعة السلال وأعواد السهام والرماح، وفي بناء القوارب والمراكب النهرية، وصناعة الأبواب البسيطة والأثاث المنزلي، وفي بناء الأكواخ وتغطية أرضيات المنازل والحظائر في الريف، وكانت طبقات من الحصر القصبية تستخدم في بناء الأبنية الضخمة كالمعابد البرجية (الزقورة).

كانت الأخشاب قليلة في بلاد بابل، لذلك نجد البابليين كالمصريين يحاولون الوصول إلى الجبال المحاذية لشرقي البحر المتوسط لجلب الأخشاب الجيدة منها. وتذكر المعجمات البابلية عدداً كبيراً من الأدوات الخشبية التي كان البابليون يستخدمونها في الأعمال المختلفة، وفي صنع الأثاث المنزلي، وكان للنجار أثر كبير في بناء البيوت والمعابد والقصور، والمراكب النهرية والعربات ذات العجلات الخشبية.

وكانت حرفة الفخّار شائعة لدى البابليين، لأهمية صناعة اللِبْن في البناء، وفي عمل الألواح الطينية (الرُّقم) للكتابة عليها، وفي صناعة الأواني والدّمى والأعمال الفنية الأخرى. وكذلك الحجّار الذي كان بحاجة إلى الأحجار والصخور التي كانت تجلب من المناطق الجبلية الآسيوية من زاغروس وإيران وآسيا الصغرى، وسورية، للبناء وصنع الأدوات الحجرية، وفي النحت الفني.

أما الحرف المعدنية فكان العامل فيها يذكر في النصوص بلفظة نباخو أي الحداد، نَفّاخ الكور الخاص بصهر المعادن. وكان النحاس والبرونز من أكثر المعادن استخداماً في صناعة الأسلحة والأدوات. وكان هناك صائغ الذهب والأدوات الثمينة من الفضة والمعادن الأخرى.

 

التجارة


وتعني بمعناها الواسع مبادلة البضائع بشتى أنواعها، ومن بينها البشر (العبيد) والعقارات، سواء على المستوى المحلي، أو الخارجي. وثمة نصوص اتفاقات تجارية، وقوائم جرد للبضائع، ومراسلات تجارية وصلت إلينا منها آلاف من بلاد بابل.

وكانت معظم النصوص التجارية تُوَثّق. وقد شاع في بلاد بابل الفقيرة بالمعادن اعتماد الحبوب خاصة مادةً للمقايضة، كما شاع استخدام الأغنام وسيلة لتقدير ثمن البضائع أيضاً. ثم حلت المعادن، ولاسيما النحاس والفضة محل المقايضة. وكانت الدولة تعقد الاتفاقيات التجارية مع جيرانها، وتحرص على فتح الطرق وحمايتها والسيطرة عليها، وتسيير القوافل التجارية التي تعتمد على الحمير وسيلة للانتقال. وكان التاجر (تمكارو) Tamkaru يقوم بوظيفة رئيسة في المجتمع البابلي: مشترياً وبائعاً بالجملة والمفرق، ممولاً ومستثمراً وبديلاً عن المصارف. أما البضائع التي كانت تصدر من بلاد بابل فهي الحبوب بأنواعها، والتمور والأدوات المصنعة والمنسوجات. وكانت تستورد المواد المعدنية الخام من إيران وسورية وآسيا الصغرى، وزيت الزيتون والنبيذ والأخشاب من سورية. كما كانت تجارة العبيد رائجة عند البابليين، وكان معظمهم من إيران، في عصر حمورابي




الحياة الاجتماعية

كانت الأسرة في كل أرجاء المشرق العربي القديم مبنية على سلطة الأب، ولكن حقوق الأب لم تكن مطلقة. ولم يكن تعدد الزوجات مقبولاً ولا مسموحاً به إلا في الحالات النادرة، ولاسيما إذا كانت المرأة عاقراً، أو تعاني مرضاً عضالاً. وعلى الزوج أن ينفق عليها إذا أرادت البقاء عنده، وإلا فعليه أن يدفع بائنتها كاملة، وإذا كانت ذات ولد كان على الزوج أن يدفع لها كذلك نصف أملاكه. وكانت الزوجة تتمتع بمكانة اجتماعية مساوية للرجل، وتحظى بحق العمل، ولكن بعد أخذ موافقته. وكان الأولاد الذكور مفضلين على الإناث، وللبكر مزايا خاصة، وكان نظام التبني واسع النطاق عند البابليين.

أما طبقات المجتمع البابلي فكانت ثلاثاً:

1ـ الأحرار، وهم مواطنو المدن والفلاحون والرعاة.
2ـ طبقة (الموشكينو) وهؤلاء يمثلون الطبقة الوسطى، وهم أقرب إلى طبقة الأحرار من الناحية الاجتماعية، وأشبه بوضع الموالي في العصر الجاهلي وفي صدر الإسلام عند العرب.
3ـ طبقة العبيد، وهؤلاء يخصون دائماً أفراداً معينين أو المعابد. كان يمكن للعبد أن يمارس التجارة بموافقة سيده وله علامة وهي حلاقة نصف الرأس حتى لا يهرب، وإذا هرب توجب على الموظفين القبض عليه وإعادته إلى مالكه. ويعود أصل الكثيرين من العبيد إلى أسرى الحروب وسباياها. وكان بإمكان العبد أن يعتق نفسه، وقد يتبناه أحدهم، وكانت معاملتهم مقبولة، ويعدون أفراداً تابعين للتجمع المنزلي.
ولم يكن المجتمع الشرقي القديم بعامة حتى في المدن الكبيرة مستقراً تماماً، فمع وجود الأسرة، كان ثمة الأسرة الكبيرة، أو العشيرة التي كانت تعيش في المدينة والقرية، وتجاور البدو والرعاة. وقد نجح عدد كبير من هؤلاء في تطوير أنفسهم وصاروا جنوداً وضباطاً، وتمكنوا من الارتقاء إلى منصب الحاكم أو الملك، وتأسيس أسر حاكمة، كما كانت حال مؤسسي السلالتين البابلية الأولى والبابلية الحديثة




الدين
كان البابليون كغيرهم من شعوب المشرق العربي القديم وثنيين، لهم آلهتهم الخاصة، ويرأسها إله مدينة بابل مردوخ الذي كان الإله الخالق، الحامي للأفراد، وإله الحرب كذلك، وهو ـ باعتقادهم ـ ابن الإله إيا (إله الحكمة). وله ابن يدعى نَبُو الذي عدّوه حامي الكَتَبَة والمتعلمين. وكانت الإلهة عشتار (إلهة كوكب الزهرة) إلهة الخصب والحرب معاً.
وإله القمر عندهم كان يدعى سين، أما إله الشمس فكان اسمه شمش، وهو إله الحق والعدالة. ونستدل من ذلك أن آلهتهم في معظمها كانت ذات علاقة بالكواكب والنجوم. وكان البابليون يحتفظون كغيرهم من شعوب بلاد ما بين النهرين بعبادة الآلهة السومرية، ويوجدون لها أسماء بلغتهم البابلية، أو ما يماثلها من آلهتهم، وكان ذلك نتيجة اختلاط الساميين بالسومريين في جنوبي بلاد ما بين النهرين. وكان لكثير من الآلهة مدينة رئيسة يقوم فيها المعبد الرئيس لعبادة الإله، ولكن عبادته تنتشر في كل المدن وأرجاء الدولة، فرئيس مجمع الآلهة السومرية ـ البابلية آنُ كان مركز عبادته في مدينة أوروك (الوركاء اليوم)، أما مقره فكان السماء. والإله السومري إنليل كان معبده الرئيس في مدينة إريدو. ولعشتار معبد رئيس في مدينة أوروك أيضاً. والإله نبو في مدينة بورسيبا.
أسهمت المماثلة بين آلهة البابليين وآلهة السومريين عامةً في تناقص أعداد الآلهة، وأدت إلى تحول آلهة كثيرة إلى أشكال افتراضية مجردة، ولكنها حافظت في الوقت نفسه على التقاليد الشائعة مع إضفاء تصورات جديدة عليها. ومن أهم الحقائق الراسخة في أذهان البابليين أن الإله حر في معاقبة الإنسان أو الصفح عنه. أما تحديد الإثم فكان يتم باتباع السلوك الصحيح تجاه الآلهة والتمسك بالمثل الخلقية البشرية الأساسية.
كان عيد رأس السنة أكيتو أهم الأعياد البابلية، وتمتد الاحتفالات به عدة أيام، ويتم في الأصل في الخريف، ثم تحول إلى الربيع. وكانت تنقل فيه تماثيل الآلهة في موكب مهيب إلى بيت خاص بالاحتفال يقع عادة خارج نطاق سور المدينة. وجرت العادة أن تتلى صلوات وأناشيد على شرف الإله مردوخ الذي كان معبده البرجي (زقورته) في مدينة بابل أضخم نماذج تلك المعابد

القوانين والشرائع
كانت كلمة دين في الأكدية (البابلية) تعني «مسألة قانونية، حكم قانوني» والقاضي يدعى ديّان، والمسؤول عن حماية القانون والعدالة جميع الآلهة، وفي مقدمتها إله الشمس الذي يوصف بأنه يرى كل شيء. أما الذي يتولى مسؤولية تطبيق القانون على الأرض فكان الملك، وهو القاضي الأكبر.
عرفت بلاد بابل تشريعات سومرية تعود أقدمها إلى الملك أورنامو (2111-1994ق.م)، ثم تبعتها تشريعات الملك «لبيت عشتار»، ملك إيسن (1934-1924ق.م). ثم أصدر ملك أشنونة بعدها تشريعاً كُتِب باللغة البابلية. أما أبرز تلك الشرائع فكان قانون حمورابي[ر] الذي يشتمل على نحو 200 مادة قانونية تعالج أموراً كثيرة تتعلق بشؤون الأسرة والعبيد والأراضي والتجارة


اللغة
تنتمي لغة البابليين إلى مجموعة اللغات (السامية)، كما اصطلح المستشرقون على تسمية لغات شعوب منطقة جنوب غربي آسيا (العرب والآراميون والكنعانيون والأكديون). واللغة البابلية ومعها اللغة الآشورية فرعان من اللغة الأكدية التي سادت في بلاد ما بين النهرين قبل ظهور المملكة البابلية القديمة والمملكة الآشورية القديمة. واستطاعت اللغة البابلية التي وصلت في عهد الملك حمورابي إلى مرحلة النضج والكمال الذي يتجلى في قانون حمورابي، أن تسود عالم الشرق القديم، وتغدو لغة الوثائق السياسية والاقتصادية في تلك المناطق نحو ألف عام، إلى أن حلت محلها اللغة الآرامية الشقيقة. أما كتابتها فكانت بالخط المسماري المقطعي الذي طورته ليخدم أغراضها المختلفة.
كان الأدب في العصر البابلي القديم استمراراً للأعمال الأدبية السومرية ذات التأثير الكبير في أدب ما بين النهرين عامة، ثم مالبث أن تحرر من التقليد إلى الإبداع إذ ظهرت أعمال أدبية عكست التطورات المعيشية، ونضج اللغة التي باتت تهتم بالأسلوب الفني والجمالي. وكانت الأسطورة مجالاً لاستيحاء إجابات عن تساؤلات كانت تراود مخيلة البابليين عن العالم الذي يعيشونه، وعن مسائل مثل الخلق، والموت، والخلود، والخطيئة والعقاب. وكان من أبرز الأساطير أسطورة أترخسيس التي كان من أبرز موضوعاتها خلق الإنسان وصراع الآلهة، والطوفان، والعقاب الإلهي. وملحمة غلغامش[ر] التي تدور حول فكرة الحصول على الخلود والشباب الدائم. وأسطورة أدابا الذي يضيع على نفسه فرصة الخلود. وأسطورة إتانا، أول ملوك مدينة كيش بعد الطوفان، الذي يشغله الحصول على من يرثه. وأسطورة نزول عشتار إلى العالم السفلي الذي لا رجعة منه، ولكنها تعود بمساعدة الإله غيا الذي يعيد إليها الحياة، ويُقَدّم الإله دموزي (تموز) فدية لها، فيُرْسَل بدلاً منها، ويتناوب الإقامة في العالم السفلي كل ستة أشهر، ويغيب معه الخصب والخضرة مؤقتاً رمزاً لتبدل فصول السنة. ثم تظهر أسطورة بابلية إبداعية في القرن الثامن قبل الميلاد هي أسطورة «إرّا» إله الطاعون والدمار الذي يتخلى له الإله الوطني مرودخ عن العرش مؤقتاً ليقود حرباً لإخضاع البشر الذين ما عادوا يتركون للآلهة فرصة للراحة، لكنه ينجح في النهاية في تحقيق الاستقرار للبلاد وتصحيح الأوضاع ويندم على فعله الدموي، ويقنعه وزيره بتوجيه ضرباته إلى أعداء البابليين كالآشوريين والعيلاميين.
ومن الأعمال المهمة أسطورة الخلق البابلية التي تعرف بمطلعها «إنوما إيليش» أي «عندما هناك في الأعالي»، وتتناول الموضوع القديم برؤية جديدة لتكريس مكانة الإله مردوخ رئيساً لمجمع الآلهة الرافدي. وظهرت كذلك قصيدة «لأمجدن سيد الحكمة» التي تعبر عن يأس الإنسان البابلي في العصر الكاشي وتشككه في العدالة الإلهية، وتشاؤمه لكثرة المصائب التي حلت به. وتقرن هذه بسفر أيوب في كتاب العهد القديم.
وعرف البابليون أدب الحكمة الذي يضع في أولوياته أهدافاً أخلاقية ـ تربوية كالأمثال المنظومة شعراً، والمواعظ، والقصص الديني، وحكايات الحيوان، والمناظرات أو المحاورات التي تجري على ألسنة الحيوانات، وبين النبات وبين الناس حول موضوعات متنوعة كالعدالة الإلهية، والحب. وألف الكتاب تراتيل دينية وابتهالات إلى الآلهة، وحكايات فكاهية ساخرة، ومنها حكاية الفقير الذي أهدى الحاكم نعجته وهي رمز لحلم الفقراء بالانتقام من الأغنياء المتسلطين على قدرهم.



الحساب والتنجيم والطب
تطلَّب العمل في الزراعة وقياس الأراضي وبناء قنوات الري والقصور والمعابد وسواها ومزاولة التجارة معرفة الحساب والهندسة والجبر. وكان النظام السائد في بلاد الرافدين كلها هو النظام الستيني سواء في الحساب أو في أنظمة قياس الزمن أو المكاييل والموازين. فقسمت السنة إلى اثني عشر شهراً واليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وهو النظام المعمول به حتى اليوم. وعرف البابليون فكرة المربع والمكعب وتمكنوا من حساب مساحة الدائرة ومحيطها. واهتموا بمراقبة الكواكب لاعتقادهم بتأثيرها في حياة الناس بوصفها آلهة، وربطوا بين حركاتها ومظاهر الطبيعة المختلفة، وهذا ما أدى إلى نشأة علم التنجيم عندهم، فقسموا دائرة فلك البروج إلى اثني عشر برجاً. وكان هناك أشخاص يراقبون النجوم في الليل والنهار ويتتبعون مساراتها ويقومون بتدوين مراقباتهم وأرصادهم، وقد مكنهم هذا من التنبؤ بحدوث الخسوف والكسوف، وهكذا صار لهم شهرة كبيرة في هذا المجال استفاد منها الإغريق كثيراً فيما بعد.
أما الطب فقد ارتبط عندهم بالسحر، وكان المريض يعالج على أساس أن روحاً شريرة دخلت جسمه، ولذلك كان يقوم العلاج على الرُّقَى السحرية والأدوية النباتية والحيوانية وغيرها. وهناك رقم تصف تشخيص بعض الأمراض وأعراضها وطرق معالجتها. وعرف البابليون أنواعاً كثيرة من العقاقير الطبية والمراهم، وكان يسمح للطبيب بممارسة الجراحة حسب ما جاء في قانون حمورابي على أن يتحمل النتائج المترتبة عليها.


البابليون في وجدان العالم
بدأت الحفريات الأثرية الفعلية في بابل عام 1899 على يد الألماني روبرت كولدوية  بتكليف من جمعية الشرق الألمانية واستمرت من دون انقطاع حتى عام 1917. وكان قد سبق ذلك بوقت طويل قيام كثير من الرحالة الأوربيين بزيارة الموقع (بيتروديلا فالي، نيبور، بوشامب، أوليفيه) وأعقبتها محاولات بعض هواة الآثار والقناصل الأجانب التنقيب في ذلك الموقع لكن من دون جدوى. استطاع روبرت كولدوية الكشف عن أبنية تعود إلى العصر البابلي الحديث (القرنين السابع والسادس ق.م)، ولكنه لم يتمكن من الكشف عن آثار العصور الأقدم بسبب ارتفاع مستوى الماء الجوفي، وقد اتبع في حفرياته منهجاً علمياً دقيقاً اقتدى به العلماء فيما بعد. وفي العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، تابع معهد الآثار الألماني في بغداد ومديرية الآثار العراقية أعمال الدراسة والترميم لكثير من الأوابد البابلية الباقية

التأريخ
ترقى أقدم آثار الاستيطان البشري في بابل إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث عاش السومريون هناك في قرية صغيرة تحولت مع الزمن إلى مدينة، وقد بنى فيها الملك الأكدي شركالي شري (2223-2198ق.م) معبداً للإلهة عشتار، وبقيت مدينة مغمورة في عصر سلالة أور الثالثة، غير أنها أخذت بالتحول إلى مدينة ذات مكانة مهمة مع وصول القبائل البدوية الأمورية إلى بلاد الرافدين في موجاتٍ قادمة من جهة الغرب (بادية الشام) في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد وتأسيسها سلالات حاكمة في كثير من المدن مثل «لارسا» و«أشنونة» و«إيسن» و«بابل» التي أسس فيها الأمير الأموري سَموآبو (سوموأبوم) (1894-1881ق.م) مملكة قوية توالى على حكمها أولاده وأحفاده من بعده.
وقد انحصر اهتمام ملوك هذه المملكة البابلية القديمة بتوسيع منطقة نفوذهم في وسط بلاد الرافدين وبإقامة بعض الأبنية ولاسيما الدينية منها كمعبد الإله مردوخ، وبتشييد التحصينات والأسوار وتدعيمها لحماية المدينة من الاعتداءات الخارجية. وكان من أشهر ملوكهم سادسهم حمورابي[ر] (1792-1750ق.م) الذي استطاع التغلب على جميع خصومه من ملوك الممالك المجاورة (لارسا وماري وأشنونة(، وبسط سلطته على بلاد الرافدين كلها منهياً بذلك حقبة طويلة من الانقسام والفرقة امتدت منذ أواخر العصر الأكدي. ونتيجة لشهرة بابل في تلك الحقبة صار القسم الجنوبي من بلاد الرافدين يسمى بلاد بابل نسبة إليها. وبقيت مملكة بابل هذه قائمة حتى عام 1595ق.م حين سقطت بيد الحثيين الذين انسحبوا منها بعد نهبها واستولى على السلطة جماعات هندية ـ أوربية عرفت باسم الكاشيين الذين حكموا بلاد بابل حتى منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ونتيجة للضعف الذي عانته بابل في أواخر العصر الكاشي استطاع العيلاميون عام 1160ق.م احتلالها ونهب كنوزها. وبعد ذلك بمدة قصيرة (1137ق.م) قامت سلالة حاكمة في مدينة إيسن (سلالة إيسن الثانية) استطاعت أن تقود المقاومة في وجه العيلاميين وتحرر بلاد بابل كلها من احتلالهم. واشتهر من هذه السلالة نبوخذ نصّر الأول (1124-1103ق.م) الذي قام بحملتين ناجحتين على عيلام، لكن خلفاءه من بعده لم يستطيعوا الحفاظ طويلاً على قوة بابل فخضعت في العهود اللاحقة لسيادة ملوك آشور، وتعرضت عام 689ق.م للتخريب والتدمير على يد سنحريب نتيجة ثورتها عليه. غير أن ابنه وخليفته أسر حدّون أعاد بناءها استرضاءً لأهلها ولكون أمه بابلية.
عادت بابل إلى الظهور مرة أخرى في أواخر القرن السابع قبل الميلاد عاصمة امبراطورية كبيرة شملت بلاد الرافدين وبلاد الشام وقوة عظمى لها وزنها في تقرير سير الأحداث في الشرق القديم. وقد أحرزت هذه المكانة بعد أن تمكن نابوبولاصَر من السيطرة على تلك المنطقة وتنصيب نفسه ملكاً في بابل عام 625ق.م. وبعد أن استتب له الأمر هناك دخل في تحالف مع الميديين كان من نتائجه القضاء على الامبراطورية الآشورية الحديثة.
بلغت المملكة البابلية الحديثة (أو الكلدانية) أوج قوتها وازدهارها في عهد ابنه نبوخذ نصّر الثاني (605-562ق.م) الذي أنشأ كثيراً من الأبنية في بابل مثل برج بابل (زقورة الإله مردوخ) وشارع المواكب وبوابة عشتار وحدائق بابل المعلقة وبعض القصور والمعابد. ولكن مع عظمة بابل وازدهارها فإن قوتها أخذت تتراجع في عهد خلفاء نبوخذ نصّر الثاني إلى أن سقطت في عهد نابونيد آخر ملوكها (555-539ق.م) بيد قورش الثاني ملك الفرس الذي حافظ عليها من التخريب والنهب وأمَّن سكانها على حياتهم مكافأة لهم على عدم مقاومتهم له وعلى فتحهم أبواب مدينتهم لجيوشه. وكان مرد ذلك كرههم ملكهم الذي حاول إحلال عبادة إله القمر سين محل عبادة الإله مردوخ معبودهم الرئيس. وصارت بابل مركز الولاية التاسعة وإحدى العواصم الثلاث للامبراطورية الفارسية الأخمينية العالمية التي امتدت من آسيا الصغرى حتى وادي السند، وكان يحكم فيها الملوك الأخمينيون عدة أشهر في السنة. ولما تولى داريوس الأول الحكم ثارت عليه بابل مرتين (522 و521ق.م) في محاولة للتخلص من الحكم الأجنبي واسترداد حريتها، غير أن هذه المحاولة باءت بالإخفاق. وفي عام 482ق.م ثارت مرة أخرى على إحشويرش الذي انتقم منها بهدم أسوارها ومعابدها وزقورتها.
وفي عام 331ق.م احتل الاسكندر المقدوني بابل، فحياه سكانها بوصفه محرراً لهم من الفرس واعترفوا بحكمه. وفي محاولة منه لكسب ودهم قدَّم الأضاحي لمردوخ وأمر بإعادة بناء المعابد التي هدمها إحشويرش ووضع المخطط لإعادة بناء الزقورة وإقامة ميناء على الفرات لربط المدينة بالخليج العربي. وإدراكاً منه لأهمية بابل التاريخية والحضارية أراد أن يجعلها عاصمة لامبراطوريته العالمية، لكن المنية وافته قبل تحقيق خططه إذ توفي فيها عام 323ق.م.
فقدت بابل في المراحل اللاحقة أهميتها بعد تأسيس سلوقس الأول عام 300ق.م مدينة سلوقية (نحو 90كم شمال بابل على نهر دجلة) واتخاذها عاصمة له، فانتقل قسم من سكان بابل إليها وتحولت الطرق التجارية إلى المدينة الجديدة، ولم يأت القرن الأول الميلادي حتى تحولت بابل إلى مدينة مهجورة.

العمران
لم يتمكن المنقبون إلا من الكشف عن آثار مدينة بابل في العصر البابلي الحديث. فقد كانت تشغل مساحة تقدر باثني عشر كيلومتراً مربعاً ومركزها له شكل مستطيل بعداه 2600×1500م، وكان يعيش فيها نحو مئتي ألف إنسان، وتتألف من قسمين، قسم قديم يضم المباني وقصر نبوخذ نصّر الثاني ويقع شرق الفرات، وقسم حديث يقع غرب الفرات. ويرتبط هذان القسمان بوساطة جسر من عهد نابوبولاصَر، طوله 123م وعرضه 10.5م. وكانت المدينة محاطة بسور مزدوج، خارجي ثخانته نحو 4م، وداخلي ثخانته نحو 6.5م، ويبعد أحدهما عن الآخر 7.20م في المتوسط. أما من ناحية الفرات فكان هناك جدار يحمي المدينة من مياه النهر ثخانته نحو 8م. كما كان هناك ثماني بوابات تقود إلى المدينة القديمة سميت بأسماء الآلهة البابلية المشهورة وأكثرها روعة بوابة عشتار.
ومن الآثار الأخرى المكتشفة في بابل شارع المواكب الذي كان يبدأ عند بوابة عشتار ويقود إلى المنطقة المقدسة ويبلغ عرضه 16م. وهو مرصوف ببلاط مستورد من لبنان ومحاط من الجانبين بجدار ثخانته 7م، تزينه صور حيوانات من الطوب المزجج، وهو اليوم في متحف برلين.
ومن معالم بابل الأخرى الزقورة (برج بابل) ومعبد إيزاجيلا الذي يعد أقدم أبنية بابل، إذ يرقى تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وكان مخصصاً لعبادة مردوخ. وهناك معابد أخرى كثيرة لعشتار ونينورتا وغيرهما. أما القصور فأشهرها قصر نبوخذ نصّر الثاني وأبعاده 322×190م ويحوي قاعة عرش ضخمة (52×17م) مزينة بتزيينات جميلة. وهناك أخيراً حدائق بابل المعلقة التي أقامها نبوخذ نصر الثاني إكراماً لزوجته الميدية، وكانت تعد إحدى عجائب العالم القديم السبعة، حتى قال عنها المؤرخ الإغريقي   هيرودوت الذي زار خرائبها «إنها لا تضاهيها في عظمتها وسعتها مدينة أخرى».

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire