نبذة عن الأمبراطورية البابلية الأولى
بدأ هذا العصر عندما هاجمت قبائل أمورية بدوية الأراضي الممتدة بين الفرات ودجلة في الوقت الذي كانت المنازاعات مستمرة بين المدن البارزة فلم تكن هناك قوة كافية لردع تسربها الى بلاد الرافدين فأحتلت هذه القبائل مدن عديدة ومن هذه المدن مدينة بابل والتي كانت في ذلك الوقت مجرد محطة للقوافل التجارية . وبذلك كانت أول ومضات الحضارة البابلية على يد الأسرة الأمورية ممن يعود إليها الفضل في إعمار بابل وبدء إزدهار عصر جديد وكان أول من أسس أسرة حاكمة للشعب الجبلي الأموري حاكم بابلي ذي شأن وهو الملك سمو ابوم في القرن التاسع عشر ق.م …وقد سميت أمبراطوريتهم بالبابلية نسبة الى عاصمتهم بابل أي ((باب الأله) وأمتاز ملوك بابل عن ملوك المدن الأخرى على أنهم كانوا يطلقون على كل سنة من سنين حكمهم أسما يحمل ذكر أهم الأحداث التي حدثت في تلك السنة .
حمورابي1792_1750ق.م
تسلم حمورابي الحكم بعد وفاة والده (سين مبلط) الذي عمل جاهدا على تحقيق هدف والده والذي لم يستطع والده تحقيقه بسبب قوة أشور التي كانت بقيادة شمشي أدد وهو توحيد البلاد كلها بقيادته …فلذلك خلف أبيه بهذه المهمة فعمل هدنة مع شمشي أدد الذي تميز بقوته والتزم الصمت في بادئ الأمر ولكن بعد مماته أنهار توازن القائم في بلاد الرافدين ودخلت البلاد في صراع جديد بين المدن البارزة بعد أن أصبحت بابل مدينة محصنة مزدهرة وبلغت حدا من القوة وكان التنافس دائرا بين أربعة حكام أقوياء للحصول على زعامة بلاد الرافدين وهم ماري غربا , اشنونة شرقا ولارسا جنوبا وأخيرا بابل في الوسط وعلى الرغم من موقع بابل الضعيف الا أن حمورابي أستطاع أن يهزم خصومه واحدا تلو الاخر وربح الجولة الأخيرة عن طريق زرع الفتن بينهم مستعينا بالواحد منهم ليقهر الأخر فقد كان معروفا بصبره وعناده وحذره الذي يشتاحه بشيء من الخبث فصاحبه اليوم قد يكون ضحيته التالية غدا وهكذا أستقرت بابل على العرش دولة كبيرة جديدة بعد خمسة وعشرين سنة من العمل المثابر.
عرف عصر حمورابي بالعصر الذهبي والذي لم يشهد له مثيل في تاريخ بابل الطويل . حيث صار بأماكنها أن تمارس سيادة سياسية لا منازع لها فيها بعد أن أمتدت مملكته حتى خابور الى حوض البليخ وشملت نهر ديالى ووادي دجلة الأعلى. وقد أستحل أسم بابل محل أسم سومر وأكد وبتفوقها الثقافي ومكانتها الدينية التي أحتفظت بها طوال الف عام أضحت بعمرانها لؤلؤة الشرق العربي القديم . وهكذا نجح حمورابي في فرض وحدة الرافدين فبدأ بلارسا فأشنونة ثم ماري وأخيرا أشور ولكنه لم يكتفي بذلك بل عمل على توحيد الوحدة التشريعية القانونية حيث أتصف نظام حكمه بالحكم المطلق الذي يتوخى العدالة في ظل قانون ( أنا حمورابي الأمير الأعلى , عابد الألهة , لكي أنشر العدالة في العالم , وأقضي على الأشرار الأثمين, وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء , وأنشر النور في الأرض , وأرعى مصالح الخلق )) والذي سار على نهجه جميع ملوك بابل تقريبا.
شرائــــــــع حمورابي
قد أصدر عدد هائل من الشرائع التي سميت بأسمه وبلغت مئتين وأثنين وخمسين مادة نقشت على مسلة من حجر الدويريت الأسود وفي أعلاها نحت يمثل الملك البابلي يتلقى السلطة الملكية والشريعة من الإله الشمس(شمش) وأستغفر الله وهي مسلة حمورابي الشهيرة الموجودة الأن بمتحف اللوفر في باريس . ومن أحد مواده المادة 229 التي تقول (اذا بنى مهندسا بيتا لأحد الأشخاص , ولم يكن بناؤه متينا فأنهار البيت , وسبب قتل من فيه يعاقب المهندس بالموت) وهناك عقوبات رادعة أعتمدت مبدأ (( العين بالعين والسن وبالسن)) منها اذا كسر أنسان لرجل شريف سنا او فقأ له عينه أو أي شيء اخر حل به نفس الأذى الذي سببه له, وعلى الرغم من أن شريعة حمورابي كانت قاسية في العقوبات ولكنها بقيت مدة خمسة عشر قرنا كاملة محتفظة بجوهرها .
المجتمع البابلي في عهد حمورابي كان مكون من ثلاث طبقات :
لطبقة الراقية ((الأستقراطية)) والتي عرفت بأسم لاميلو الذين لهم سيادة المجتمع
الطبقة العامة ((الموشكينو)) أي المساكين هم الأفراد الفقراء من الأحرار الذين عملوا بجميع المهن ولكنهم أفتقروا لكل الحقوق التي كانت تمتع بها الطبقة الأرستقراطية .
طبقة الرقيق ((واردوم)) وهم الذين ولدو بالرق وأسرى الحرب فكانت لهم بعض الحقوق فقد كان بأمكانهم التملك وأدارة بعض الأعمال الخاصة بهم وأقتراض المال وحتى أنهم كانوا يستطيعون شراء أنفسهم وكأن بأماكن النساء الحرائر التملك ولهن حقوق شرعية أخرى وقد عرف أن الأباء عادة هم من يختارون الأزواج لبناتهم . والمضحك بالامر أن طبقة الرقيق لها حقوق أكثر مما لدي الطبقة العامة يالسخرية القدر .
وأخيرا سقطت هذه الأمبراطورية بعد ضعف حكم الحكام الذين فقدوا معظم نفوذ المنطقة بعد موت حمورابي مباشرة ولكنها ظلت قوة سياسية وثقافية مهمة ولكن حكامها لم يحاولوا توسيع سلطانها بعد موت حمورابي وبسبب المشاكل الداخلية للدولة أدى الى أحتلالها من قبل الأشوريين .
برج بابــــــل
ويعتقد أن السبب في أختلاف لغات العالم التي تصل الىستة الاّف لغة معروفة تستخدم في جميع أنحاء العالم...هو هذا البرج العال حيث أستنادا للعهد القديم كان البشر يتكلمون لغة واحدة ...فحاولوا تشيد هذا البرج أملين أن يصلوا الى السماء والحديث مباشرة مع الله ولكن الله عز وجل غضب عليهم لغطرستهم وكفرهم فعاقبهم الله بتشويش لغتهم فلا يستطيعون فهم بعضهم بعض وبذلك لن يستطيعوا أكمال هذا البرج ولذلك سميت هذه المنطقة ببابل على أنها البقعة التي شوش فيها رب العالمين لغة العالم بأكمله ...فهذا ما كتب بالتوراة والله أعلم .
النقش الكلداني على الحجارة الكريمة
عرف عن الكلدانيين بأنهم هم أول من جاءوا بفكرة النقش على الحجارة الكريمة لكثرة أستعمالهم الأسطوانات والمخاريط والأختام على أشكالها المختلفة منقوشة عليها بخطوط دقيقة , الصور ذاتها التي كان النحت الصرحي يصفها على جدران المعابد والقصور .
أستعملت في بادئ الأمر لتزيين العنق والأصبع والمعصم او كغرز بالثياب وكانت في الوقت ذاته تعاويذ واقية منالأمراض والرقى المؤذية . ولكن عندما أتقن الفنان عدته بدأ برسم النقوش متمثلة بمسوخ واقفة على قوائمها الخلفية تتصارع مع بعضها البعض او تمثيل حيوانات او جبابرة تقتل الأسود ذوات وجوه أنسانية أو عفريت بأربع وجوه وغيرها من الأشكال.
وتم أستعمال الأختام المنقوشة بتصميم بسيط منذ 5000 الاّف سنة قبل الميلاد والتي كانت تطبع كدليل حيازة تجاري في العقود العامة والخاصة ...وعند ظهور الكتابة بدأ تطور جديد الى جانب المشاهد الممثلة , فبدأ كل مالك ختم اسطواني او أسطوانة يجتهد بحفر إسمه عليها او حفر أسم اّلهته عليها وهكذا عن طريق هذه الأسطوانات عرفنا أسماء الملوك الذين حكموا المدن الكلدانية قبل ثلاثة او أربعة الأف سنة في عهدنا .
الرياضيات والفلك
هذا الجزء الكبير من القرص يحتوي تمارين وأسئلة رياضيات كتب بالأكدي ....يعود الى حوالي 1700 قبل الميلاد ...حيث كانت المدارس البابلية تدرب الصغار الكتاب الهندسة لأنهم تطلبوا لرسم أعمال دقيقة ويحسبون الغلال الزراعية .....
وكما وعرف البابليون خمسة كواكب وهم من قسموا الدائرة الى 360 درجة .
الحضارة البابـــــــلية الثانية
أحتلت بابل من قبل الاّشوريين ولكن المدينة قاومت الحكم الاّشوري وبقوة مما دفع ملكهم سنحاريب بتحطيمها سنة 689 ق.م حيث حطمت المدينة بيوتها من الأساس وحتى سطوحها وأحرقت فهدمت بالأضافة الى الأسوار الداخلية والخارجية والمعابد وأبراجها القرميدية والطينية وبعد أحد عشر سنة من تحطيمها قام أسرحدون بن سنحاريب بأعادة بنائها لأسباب دينية ....الا تلاحظون معي أن العراق بشكل عام من بداية ظهور الحضارات والتطور وهو يتهدم بعد عمران ويعاد بنائه من جديد ....
بقي الاشوريين واضعين بابل تحت سيطرتهم حتى سنة 626 ق.م عندما تمرد نبوبولسار والد نبوخذ نصر على الاّشوريين وخرج عن طاعتهم وقد استغل الظروف التي تعاني منها الدولة البابلية من ضعف ومشاكل داخلية وصعوبات ومما ساعده على أنجاح مهمته مساعدة البدو من الجنوب بابل وخاصة بدو السواحل . وبعد عدة أنتصارات توقف عن تقدمه وأحتفل سكان بابل به على أنه المحرر والمنقذ لهم وأختاروه ملكا يمثلهم ...وبعد عدة أنتفاضات ضد السيطرة الاّشورية أستطاع نبوبولسار أن ينشر سيطرته حتى شملت بلاد الرافدين ومنطقة الفرات فسقطت بذلك الامبراطوية الاّشورية ...وهكذا أحتلت بابل وأصبحت المركز الرئيسي للأمبراطورية . بلغت بابل ذروة مجدها في ظل الأمبراطورية البابلية الحديثة فأخذت الضريبة والجزية من ابناء الأرض المحتلة وأستغلت هذه الأموال في تجميل وتزيين المدينة ....حيث يعتبر هذا العصر من أكثر العصور أزدهارا غنى وعمرانا وهو عصر نبوخذ نصر ...الذي أمتد ما بين عامي 605 ق. م و562 ق.م حيث شيد في عهده أسوارا حول المدينة بلغت سمكها 26 م تقريبا وقد حمت هذه الأسوار الداخلية الضخمة التي أحيط بها خندق واسع القسم الرئيسي من المدينة .
وكان سكان بابل يدخلون ويخرجون منها عبر ثمانية بوابات برونزية ومن أفخم هذه البوابات
بوابة عشتار الضخمة
وبرج بابل الذي ذكرته سابقا ...والحدائق المعلقة
والتي تذكر الأقاويل أنها بنيت بأمر من الملك نبوخذ نصر الثاني لزوجته أميس أبنة أحد ملوك دولة أميدا الجبلية لتتذكر موطنها وحتى لا تحن كثيرا للرجوع أثناء أقامتها في السهول المستوية البابلية . وسميت الجنائن المعلقة لأنها عالية عن الأرض ومنتصبة في الهواء.
بابــــــل من الأوج الى الأنهيار
لم يتمتع خلفاء نبوخذ نصر بشعبية كبيرة كالتي كان يملكها حيث عرف أنه كان يقطع الأراضي السورية عبر الفرات طولا وعرضا كل عام طوال عشرة سنوات من حكمه لفرض هيبة الدولة وجمع الغنائم فغدت الأمبراطورية ضعيفة في ظل حكمهم . فبدأ مخطط الفرس في الأستيلاء على بابل عندما لم يعد يشعروا بأي عقبات في أحتلالها بسبب الأضطراب الداخلي العميق فأستولى الفرس على بابل مستغلين أحتفال المدينة بعيدها فقاموا بالتغلغل والأنتشار وأحتلوا أطراف المدينة وأسقطوا الأمبراطورية البابلية الحديثة في سنة 539 ق.م . واصبحت بابل أغنى منطقة في الأمبراطورية الفارسية . ثم ظفر الأسكندر المقدوني ببابل وجعلها عاصمة له في سنة 331 ق. م وبعد وفاته اصبحت المدينة تابعة الى دولة السلوقيين وتحولت بابل المهجورة الى خرائب بمرور الوقت وبعد أن أحتلت من قبل قبائل البارث والظاهر , وإن المدينة فقدت مكانته خاصة بعد أن أنتقل مجرى الفرات نحو الغرب فأزداد أنحطاط المدينة وفقدت قيمتها .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire